آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

في رحاب أشهر النور

هل النفس تصيبها الآفات وحالة الترهل فتحتاج معه إلى ما يخرجها من شرنقة الصدأ ويعيد لها حيويتها ونضارتها وفاعليتها مجددا؟

بلا شك أن حالة الصفاء تتحول إلى ضبابية حتى تصل إلى فقدان البصيرة وبلوغ ممر الغفلة والضياع، ومن أهم العوامل المؤثرة في مرض النفس هو بعدها عن الأجواء الروحية التي تهب النفس تجددا ونشاطا، فالبعض يرى في أجواء الدعاء والمناجاة برنامجا هامشيا يتعلق بالمزيد من الحسنات دون أن يبصر الآثار المعنوية لها، وتغيب عنه حقيقة أن النفس بعد إصابتها بأجواء القلق والاضطراب النفسي والضغوط الحياتية المتزايدة تستنزف قواها وتصيبها بالترهل ما لم تحصل على هدأة تعيد لها فاعليتها، والأجواء الروحية تعيد للنفس طمأنينتها وهدوءها النفسي وتفرغ منها تلك الملوثات، ففي تلك اللحظات الإيمانية تسكب على المؤمن الأنس بذكر الله تعالى وتجديد العلاقة بالله عز وجل وتشد همته نحو الاستعداد ليوم الآخرة، فبعد تلك اليقظة الروحية يعود للذهن صفاؤه وتوقده فيترك الانشغال بصغائر الأمور والهامشيات التي لا تعد هدفا أصيلا وأساسيا له في بناء نفسه الروحي والمعرفي والسلوكي.

فمن الملوثات للعقل والقلب هو اشتعال المشاعر السلبية تجاه الآخرين نتيجة لاحتكاكات أو خلافات حولوها إلى ساحة معركة وصراع، فالوجدان الأسود المتلون بالكراهيات والأحقاد أنى له أن يتوجه إلى ساحة الكرم والمغفرة الإلهية، وهو من غاب عنه التسامح والصفاء، ولذا نحن بحاجة إلى تصفية نفوسنا وتجنب الدخول في مواجهات ومشاحنات على المستوى الأسري والاجتماعي، ولنطلب رحمة الله الواسعة من باب غض الطرف عن الإساءة.

ومن الملوثات للقلب والتي تحرمنا من التوجه الحقيقي في الدعاء هو ارتكاب الذنوب في مسلسل لا يتوقف، فالمعصية تعني تسلط الشيطان الرجيم على فكرنا وجوارحنا وانشغالها يكون حينئذ بالذنوب، والعين الطامحة للنظرة المحرمة لا ترزق البكاء على النفس الناتج عن الخوف الحقيقي من مواجهة أهوال يوم القيامة وما ينتظرها من عقوبة إلهية، ولا يسعف المرء في الحصول على بصيرة واضحة بمسارب الشيطان الرجيم إلا محاسبة النفس ومراقبة ما يصدر عنها من كلمة أو موقف، فيتحرك مسرعا نحو محراب التوبة الصادقة ويعقد العزم على تجنب العوامل المؤدية لمستنقع الذنوب.

ويعد شهر رجب وشعبان مقدمة لشهر رمضان يتهيأ فيهما المؤمن للأجواء العبادية في شهر الله تعالى، والذي تزدحم فيه البرامج بين الدعاء والمناجاة وتلاوة القرآن الكريم والأذكار والبرامج المعرفية كالتدبر في الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة ومضامين الأدعية العالية، إذ أن الدعاء ليس مجرد قراءة خالية من التآزر الوجداني والروحي معه، فالتأمل في فقرات الدعاء تهب المرء جرعة معنوية تقوي إيمانه وتزيد مستوى مناعته أمام وساوس الشيطان، إذ من خلال القراءة الواعية للدعاء والتأمل في كلماته واستلهام الدروس من مفاهيمه وتوجيهاته، يرسم المؤمن حينها منهجه التربوي والتهذيبي لنفسه، فهذه الأدعية في مجملها دروس تربوية إن استوعبها وطبقها في سلوكياته ستكون عنوان شخصيته وهويته، فما ابتلى به من آفات أخلاقية تسربت واستكنت في نفسه يكون علاجها بانفتاح بصيرته من خلال الأدعية، فيبدأ في علاجها والتخلص منها إذ الجامع بين هذه الحجب والأمراض هو اللهث خلف ملذات الدنيا والرغبة في الاستزادة من متاعها الزائل، فآفات كالكراهية والحسد والكذب وحب الشهرة وغيرها قد تماث وتتلاشى من النفس إن توجه المرء لمضامين الأدعية.

ومن أهم الأدعية هي المناجاة الشعبانية لما تحمله من معان محكمة وقيمة وافية تأخذ بالإنسان إلى عالم شفاف بعيدا عن حجب الظلمات، وفيها من المعارف ما يكون زادا معرفيا وفكريا ويأخذ بالنفس إلى طريق الخشية من الله تعالى من خلال التضرع وإظهار الافتقار إلى رحمة الله تعالى وألطافه؛ ليكون مستعدا لضيافة شهر الله تعالى وقد تدرب على أداء البرنامج العبادي بكل همة ونشاط، فإن شهر الله تعالى شهر المغفرة والرحمة والمؤمن الواعي يغتنم هذه الفرصة العظيمة لينطلق في ميدان تهذيب النفس وتطهيرها من الملوثات الأخلاقية.

?