آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 9:08 م

وأشرقت الأرض بنور ربها

يحذو المؤمنين الأمل بإطلالة شمس العدالة وانبساط الهدى على جميع أرجاء المعمورة مع ظهور الإمام المنتظر ، وقد سبق مقدمه الشريف شقاء ومتاعب وآلام تعصف بالبشرية فتتحرك النفوس والعقول إلى وجود ذلك المنقذ الذي يخلصها من مصاعب أضنتها، فقبلها يكون الأمن مفقودا وتسود الخلافات والتمزقات وغلبة قانون الغاب، يظهر الإمام المصلح ليمزق دياجير الظلم والعنف والعدوان ويحل محله نور العدالة الاجتماعية وسيادة قانون الاحترام والمحبة، سيهنأ الناس بغياب الكراهيات والأمراض الأخلاقية، فهل نحن مستعدون للعيش في ظلال العدالة والتزام الحق ومنهج الاستقامة الذي سيأتي به الإمام ، أم نعيش حالة الأماني الكاذبة والخاوية وعلاقتنا بالإمام لا تتعدى الحالة العاطفية؟

وهنا يطرح مفهوم الانتظار والتهيؤ للظهور في معناه ومقوماته، فتارة يحيا الإنسان الحالة السلبية والانكفاء على النفس ومع ذلك فهو يترقب الفرج وتيسير الأمور، ولنضرب مثلا بمن يطلب الرزق وتحصيل مستلزمات المعيشة في حالتيه الإيجابية والسلبية حتى يتضح الأمر، فهناك من يبقى حبيس البيت ولا يسعى خطوة واحدة في البحث عن عمل، ومع ذلك فهو يظن بمفهومه الخاطيء للدعاء واستجابته بأنه لا يستلزم الأخذ بالأسباب المادية وبعده يوكل أمره لله عز وجل، وآخر يعمل جاهدا بكل الوسائل المتاحة لديه وينتقل في طموحه من مرحلة إلى أخرى مستعينا وداعيا الله عز وجل بأن يوفقه، وكذلك مسألة انتظار الفرج ومرحلة النهضة المهدوية الإصلاحية المراد بها تحصين النفس من آفة الشهوات والأهواء والعمل على تطوير القدرات والمهارات الفكرية والروحية والأخلاقية والاجتماعية، فالناظر إلى الروايات الشريفة التي تضمنت صفات أعوانه يجدهم في أعلى درجات الإيمان والتقوى والتفاني والتضحية، وأما من بقي متلطخا بوحل المعاصي فسيجد صعوبة في قبول ما يدعو له الإمام من إصلاح النفوس وتهذيبها وتمسكها بالقيم الداعية إلى احترام الآخر، فماذا نصنع مع دعوة الإمام إلى صون الجوارح من التعدي إلى الحرام فلا العين تنظر نظرة الريبة ولا الأذن تسمع الكذب والغيبة وهكذا بالنسبة لبقية الجوارح؟!

ويتلخص من ذلك أن هناك دعوة صادقة لانتظار الفرج والانخراط تحت راية إصلاح النفس ومن ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبديد الظواهر السلبية بالحكمة والموعظة الحسنة، فينطلق المرء في مضمار محاسبة النفس وتهذيبها وتخليصها من ربقة الشهوات، ينظر إلى صلاته واندراجها تحت عنوان الصلاة الواعية والخاشعة أم لا، وصومه هل يشتمل على مقومات التقوى أم أنه مجرد توقف عن الطعام والشراب، وعلاقته بكتاب الله تعالى هل هي موسمية في شهر رمضان أم أنه ملازم له، يتدبر في آياته ويتخذه منهجا معرفيا وأخلاقيا يستقي من مضامين آياته العالية، وكذا على مستوى علاقاته الأسرية والاجتماعية ومدى ضبطه لانفعالاته ونفسه وبعده عن مواضع الانفعالات الساخنة والحوارات المتفلتة.

النهضة المهدوية محطة اختبار لمدى انسجامنا مع قيمها وخصائص وصفات المنتظرين، والذين يتميزون بالحكمة والفطنة للشبهات الفكرية وحياكة الفتن، ويحملون هموم الآخرين ويستشعرون متاعبهم ومصائبهم ويعملون جاهدين على تخفيفها هم المنتظرون الحقيقيون، فإذا كنا من اللا مبالين بهموم الناس ونتشرنق حول أنانيتنا ومصالحنا فنحن حينئذ نسير في خط بخلاف الانتظار الحقيقي، فالمنتظر يصلح علاقته بالله تعالى ويحضر قلبه وعقله في محراب العبادة والدعاء وينطلق بعدها في إصلاح علاقاته بالآخرين.

الإمام المهدي - في الحقيقة - هو من ينتظر أعوانه بعد أن أصلحوا أنفسهم وتسلحوا بالصبر والحنكة، فالواقع لن يتغير من حالة الفساد إلى حالة العدالة والاستقامة إلا من خلال جهود وسعي المنتظرين، فمتى ما تخلى المرء عن تحمل مسئولياته واتجه نحو التهرب منها وإيجاد المبررات الوهمية لتقصيره فهذا يعني انعدام التهيؤ لظهوره المبارك، وأما لو عملنا على تطهير أنفسنا من أغلال الكراهيات والمشاعر السلبية وعملنا على بث المحبة والتسامح فنحن نسير حينئذ في طريق انتظار الفرج الحقيقي.

??