آخر تحديث: 2 / 5 / 2024م - 1:07 ص

الشِّعْرُ وجَوْلةٌ فِيْ بُحُوْرهِ

ناجي وهب الفرج *

يُسمىَّ الشِّعْرُ الْعربي بديوانِ الْعَرَبِ الذي يضمُ موروثًا كبيراً مِنْ الأحداثِ التَّاريخيةِ، والْقَصَصِ الْجَمَاليِّةِ، والأبيات الفنية.

ويمكنُ معرفةُ صحيحِ الشَّعْر مِنْ فَاسِدهِ عَنْ طريقِ عِلْمٍ يُسَمَىَّ بِعِلْمِ العَرُوضِ، الذي تقامُ لهُ أوزان وقواعد تشرحُ حِكَمَهُ وعِلَلَهُ.

وقامَ بوضعِ عِلْمِ العَرُوضِ الشاعرُ والنَّحوي الْعربي الْبَصْري الْخليل بن أحمد الْفراهيدي الذي يُعدُّ عَلَمًا بارزًا وإمامًا مِنْ أئمةِ اللغةِ والأدبِ، وقد درسَ الْموسيقى والإيقاعَ فِي الشَّعْرِ الْعَرَبِي ليتمكّنَ مِنْ ضبطِ أوزانهِ. ولدَ في البصرةِ في العراقِ وماتَ فيها، وعاشَ زاهدًا تاركًا لزينةِ الدُّنيا، مُحبًا للعلمِ والعلماءِ.

ويهدفُ عِلْمُ العَرُوضِ إلى تسهّيلِ الطريقِ لكلِ مَنْ شقَّ عليهِ أَنْ يَنْظِمَ قصيدةً ما وفقَ الأوزانِ السَّليمة، فيحافظُ على مكانتها وجماليتها ولا يكسرها.، ويَعُودُ الفضلُ في وضعِ مَفاتيحَ الْبُحُورِ للعَالِمِ صَفِي الِّديْنِ الْحِلِي.

وبعدَ هذا السَّرد التَّاريخي الْموجز عَنْ الشعرِ، دعونا نُعْرِّجُ على الْجانبِ الْفني لهذا الفن والذي يعتبرُ عِلْمُ العَرُوضِ لهُ كالنحوِ للكلامِ حيثُ يضمُ ستةَ عشرَ بحراً، وينقسمُ البحرُ إلى شطرينِ متطابقينِ في نوعِ التفاعيلِ وعددها؛ ويعودُ تسميةُ بحورِ الشَّعْرِ بهذا الاسم لكونها تسعُّ عددًا لا متناهيًا مِنْ الأبيات، فهو أشبهُ بالبحرِ لا ينقصُ ماؤهُ مهما غرفتَ منهُ.

إذ يتألفُ الْبيتُ الشَّعري مِنْ قسمينِ يسمىَّ كلٌ منهما شطرًا بحيثُ يسمىَّ الشطرُ الأولِ الصدرُ بينما يسمى الشطر الثاني العجزُ؛

والذي يتألفُ كلٌّ منهما مِنْ تفعيلاتٍ تتراوحُ بَيْنَ تفعيلتينِ وأربعٍ حيثُ تعتبرُ آخرُ تفعيلةٍ في الصَّدرِ تسمىَّ العَرُوضُ أما آخر تفعيلةٍ في العجزِ تسمىَّ الضَّربُ، وباقي التفعيلات تسمىَّ الْحشو أو الْجوازاتُ.

وقدْ جمعَ أبو الطاهرِ الْبيضاوي بحورَ الشَّعْرٍ في بيتينِ:

وَيَهْزِجُ فِي رَجْزٍ وَيَرْمُلُ مُسْرِعَا

طَوِيلٌ يَمُدُّ البَسْطَ بِالوَفْرِ كَامِلٌ

مَنِ اجْتثَّ مِنْ قُرْبٍ لِنُدْرِكَ مَطْمَعَا

فَسَرِّحْ خَفِيفًا ضَارِعًا يقْتضِبْ لنا

نأتي هُنَا لتناولِ بُحُورَ الشَّعْرِ ونستعرضها بشكلٍ مقتضبٍ مِنْ حيثِ سببِ التَّسميةِ والاستخدامِ والتفعيلاتِ ومثالٍ عليها وهي كالتالي:

1 - بَحْرُ الطَّويلِ

سُمي بالطَّويلِ لأنهُ طالَ بتمامِ أجزائهِ، وهو أكثرُ الأوزانِ شيوعًا عندَ الشُّعراءِ الأقدمينَ، ويعتبرُ قائدُ الْبُحُورِ الشَّعْرِيْةِ المُخَضْرَمِ.

وزنهُ:

فعُولُن / مفاعيلُن / فعُولُن / مفاعيلُن *** فعُولُن / مفاعيلُن / فعُولُن / مفاعيلُن

مثالهُ:

أراكَ عصيّ الدَّمع شيمتك الصبر *** أما للهوى عليك نهي ولا أمر

بلى أنا مشتاق وعندي لوعة *** ولكن مثلي لا يذاع له سرّ

2 - بَحْرُ الْمَدِيْدِ

سُمًي مَدِيْدًا لأن قواعدهُ امتدتْ في أجزائهِ السُّباعية، فصارَ أحدها في أولِ الجزءِ، والآخرِ في آخرهِ، وهو بحرٌ ثقيلٌ على السَّمعِ لذا يجتنبهُ الْكثيرُ مِنْ الشُّعراءِ.

وزنهُ:

فاعِلاتُن / أفعُلُن / فاعِلاتُن / أفعُلُن *** فاعِلاتُن / أفعُلُن / فاعِلاتُن / أفعُلُن

مثالهُ:

ألال ذاك أم كسل *** أم تناس منك أم ملل

أم - وقاك الله - في كدر *** أم على الأعذار متكل

3 - بَحْرُ الْبَسِيْطِ

أبسطُ الْبُحُورِ الشَّعْرِيْةِ حَقًا، سُمِي بَسِيْطًا لانبساطِ أسبابهِ.

وزنهُ:

مُسْتفعِلن / فاعِلُن / مُسْتفعِلن / فاعِلُن *** مُسْتفعِلن / فاعِلُن / مُسْتفعِلن / فاعِلُن

مثالهُ:

ليسَ الْغَرِيْبُ غَرِيْبَ الشَّامِ والْيمنِ *** إنَّ الغريبَ غريبُ الْلحدِ والْكفنِ

إنَّ الغريبَ لهُ حق لغربته *** على المقيمين في الأوطانِ والسَّكنِ

4 - بَحْرُ الْوَافْرِ

سمي وافرًا لكثرةِ الحركاتِ في تفعيلاتهِ ووفرتها.

وزنهُ:

مُفاعلتُن / مُفاعلتُن / مُفاعلتُن *** مُفاعلتُن / مُفاعلتُن / مُفاعلتُن

مثالهُ:

يطول اليوم لا ألقاك فيه *** ويوم نلتقي فيه قصير

سرى ليلا خيال من سليمى *** فأرقّني وأصحابي هجود

5 - بَحْرُ الْكَامْلِ

سمي بالكاملِ لكمالهِ في الحركاتِ، وهو يصلحُ لكلِّ أنواعِ الشَّعْرِ، حديثهُ وقديمهُ.

وزنهُ:

متفاعِلن / متفاعِلن / متفاعِلن *** متفاعِلن / متفاعِلن / متفاعِلن

مثالهُ:

قم للمعلمِ وفّهِ التبجيلًا *** كادَ المعلمُ أَنْ يَكُونَ رسولًا

أعلمتَ أشرف أو أجل من الذي *** يبني وينشئ أنفسًا وعقولًا

6 - بَحْرُ الْهَزَجِ

سُمي بالهزج لأنَّ العربَ كَانَتْ تُغني بهِ، والهزج لونٌ مِنْ الْغناءِ.

وزنهُ:

مفاعيلُن / مفاعيلُن / مفاعيلُن *** مفاعيلُن / مفاعيلُن / مفاعيلُن

مثالهُ:

جميلُ الوجهِ أخلاني *** مِنْ الصَّبرِ الْجميلِ

غزالٌ ليسَ لي منهُ *** سوى الحزنِ الطَّويلِ

7 - بَحْرُ الرَّجَزِ

سُمي بالرَّجزِ مِنْ أصلِ الإبلِ الرَّاجزةِ أي الْمُضَطَرِبَة.

وزنهُ:

مُستفعلُن / مُستفعلُن / مُستفعلُن *** مُستفعلُن / مُستفعلُن / مُستفعلُن

مثالهُ:

يا من إليه أشتكي من هجره *** هل أنت تدري لوعة المهجور

من ذا يداوي القلب من داء الهوى *** إذ لا دوى للهوى موجود

8 - بَحْرُ الرَّمَلِ

سُمي بالرَّملِ لسرعةِ النَّطقِ بهِ، ويمتازُ بالرَّقةِ لذا يصلحُ لشعراءِ الْغزلِ.

وزنهُ:

فاعِلاتُن / فاعِلاتُن / فاعِلاتُن *** فاعِلاتُن / فاعِلاتُن / فاعِلاتُن

مثالهُ:

طلعَ الْبدرُ علينا *** مِنْ تنياتِ الْوداع

وجبَّ الشكرُ علينا *** ما دعا لِلهِ داع

9 - بَحْرُ السَّرِيْعِ

مِنْ اسمهِ يعتبرُ أسرعُ الْبُحُورِ الشَّعْرِيْةِ، ويصلحُ لوصف العواطف.

وزنهُ:

مستفعِلُن / مستفعلن / مفعولاتُ *** مستفعِلُن / مستفعلن / مفعولاتُ

مثالهُ:

أودِعك الرحمان في غربتك *** مرتقبا رحماه في أوبتك

فلا تطل حبل النَّوى إنني *** والله مشتاق إلى طلعتك

10 - بَحْرُ الْمُنْسَرْحِ

سُمي منسرحا لانسراحهِ أي لسهولتهِ على اللسانِ، لكنهُ صعبٌ على الشَّعْراءِ، لذا قلة مَنْ كانوا ينظمونَ قصائدهم عليهِ.

وزنهُ:

مستفعلن / مفعولات / مستفعلن *** مستفعلن / مفعولات / مستفعلن

مثالهُ:

أواه يا ليل طال بي سهري *** وساءلتني النجوم عن خبري

لو كان ينجي من الردى حذر *** نجاك مما أصابك الحذر

11 - بَحْرُ الْخَفِيْفِ

سُمي بالْخفيفِ لخفتهِ طبعًا، وهو نادرٌ في الشَّعْرِ الْعربي.

وزنهُ:

فاعلاتن / مستفع لن / فاعلاتن *** فاعلاتن / مستفع لن / فاعلاتن

مثالهُ:

ما لليلى تبدلت *** بعدنا ود غيرنا

أرهقتنا ملامة *** بعد إيضاح عذرنا

12 - بَحْرُ الْمُضَارْعِ

سُمي كذلك لمضارعتهِ أي مشابهتهِ لبحِر الْخفيفِ.

وزنهُ:

مفاعيلن / فاعلا تن / مفاعيلن *** مفاعيلن / فاعلا تن / مفاعيلن

مثالهُ:

وغائبا عن عيوني *** وحاضرا في خيالي

تعال هدئ شجوني *** طالت بي الليالي

13 - بَحْرُ المُقْتَضَبِ

سُمي بالمقتضب لأنهُ اقتضبَ، أي اقتطعَ مِنْ بحرِ الْمُنْسَرْحِ بحذفِ تفعيلتهِ الأولى.

وزنهُ:

مفعولات / مستفعلن / مستفعلن *** مفعولات / مستفعلن / مستفعلن

مثالهُ:

قد أتاك يعتذر *** لا تسله ما الخبر

في عيونه خبر *** ليس يكذب النظر

14 - بَحْرُ الْمُجْتَثِ

سُمي مُجْتَثاً لأنهُ اجتثَ، أي اقتطعَ مِنْ بحر الخفيفِ بتقديمِ مستفعلن على فاعلاتن.

وزنهُ:

لن فاعلاتن فاعلاتن *** مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن

مثالهُ:

سئمت كل قديم *** عرفته في حياتي

إن غبت عنك فقلبي *** بوده لن يغيبا

15 - بَحْرُ المُتَقَارِبِ

سُمي بالمتقاربِ لقربِ أسبابهِ مِنْ أوتادهِ، وهو يصلحُ للسَرد والتَّعبيرِ عَنْ العواطفِ الْجَيَاشةِ.

وزنهُ:

فعولن / فعولن / فعولن / فعولن *** فعولن / فعولن / فعولن / فعولن

مثالهُ:

أخي جاوز الظالمون المدى *** فحق الجهاد وحق الفدا

وقد يكتم المرء أسراره *** فتظهر في بعض أشعاره

16 - بَحْرُ المُتَدَارَكِ

آخرُ بحور الشَّعْرِ الْعَرَبِي الْبَحْرُ المُتَدَارَكِ، وسُمي كذلكَ لأنَّ تلميذَ الخليل تداركَ بهِ آخر بحورِ معلمهِ الذي أهملهُ، ويصلحُ هذا البحر للموشحاتِ والغناءِ.

وزنهُ:

فأعلن / فأعلن / فأعلن / فأعلن *** فأعلن / فأعلن / فأعلن / فأعلن

مثالهُ:

غنمي غنمي ما أجملها *** في موقفها تحت الشجرة

ذئب يعوي في وادينا *** أسرع أسرع يا راعينا

وبعدَ استعراضنا لهذهِ الْبُحُور، نخلصُ إلى أنَّ هذا الفن لا تمتلكهُ أي لغةٍ في الْعَالَمِ إلا اللغةُ الْعَرَبِيْة التي هِي لُغَةُ الْمُتَرَادِفَاتِ التي شرَّفَهَا اللهُ جلَّ وعلا واختارها حتَّى يُنَزِّلَ كتابهُ القرآن الكريم عليها.

نائب رئيس مجلس إدارة جمعية العوامية الخيرية للخدمات الاجتماعية