آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

تصدق علي (ع) بالخاتم رمز العطاء

لقد كانت عظمة أمير المؤمنين تتجلى أمام الناس وتظهر معدنه الذي لا نظير له، لقد أعطى الله تعالى كل شيء من وقته وجهده وماله، ولم يبخل بشيء في طريق التقرب من الله تعالى حتى خاتمه الذي يرمز للعطاء بلا حدود، ويقدم درسا عظيما للمؤمنين في كيفية مواساة ومشاركة الآخرين وجدانيا في آلامهم وهمومهم وخصوصا المالية، فقضية الفقر محطة اختبار للمؤمن المتخلص من ربقة وأسر المال والعبودية له، فالإيمان في الجانب المالي يظهر في إخراج الحقوق الشرعية وبذل شيء من فائض ماله لإخوانه ممن ابتلاهم الله تعالى باليتم أو الأمراض المقعدة لهم عن العمل وغيرها من الآفات والابتلاءات، فالتكاتف والتكافل الاجتماعي هدف إسلامي سام يراد منه تحقيق الحد الأدنى من الحياة الكريمة للأسر المتعففة، وتجنيبها طريق الشرور بحثا عن لقمة العيش بالطرق الإجرامية أو المخادعة كالتسول، وهذا ما يدفع عن المجتمع في إطار علاقات أفراده التوتر والاضطراب بسبب نظرة الحقد والكراهية في عين ذلك الفقير وهو يرى الآخرين والسعادة تملأ قلوبهم بسبب توفر احتياجاتهم، بينما هو يفتقر لأبسط مستلزمات الحياة الضرورية من سكن وملابس لائقة، فيأتي مشروع الصدقات ليسد هذا الخلل ويطرح حلا ليس بنهائي لمشكلة الفقر لتعدد العوامل المؤثرة فيها، ولكنه يأتي بما يبلسم آلام المحتاجين ويشعرهم بالدفء العاطفي المجتمعي.

وحادثة التصدق بالخاتم كما تذكر الروايات الشريفة كانت في مسجد النبي ﷺ وأمير المؤمنين يصلي وقد مر به ذلك الفقير، فأومأ له بيده اليمنى ليأخذ الخاتم في إصبعه، وهكذا فقد جمع الإمام علي بين عبادتي الصلاة والصدقة ليبين حقيقة الصلاة وانعكاساتها على سلوكيات وتصرفات المصلي ومنطلقاته بعدها، وفي هذا رد على من يحاول أن يصور الصلاة وبقية العبادات بالطقوس الجامدة التي لا تحدث أثرا في شخصية المتعبد، وهذا وهم لأن الصلاة وبقية العبادات تعمل باتجاه هدف سام وهو تنزيه النفس من شوائب الشهوات واستشعار وجود الله تعالى ورقابته لأفعال عباده، وهذا ما يورث الخشية من الله تعالى والورع عن محارمه مستعينا بضمير يقظ ونفس حذرة من دوائر الخطر المفضية إلى الآثام والمعاصي، وصلاة أمير المؤمنين المقرونة بالتصدق على الفقير بالخاتم أبرز مثال على تلك المضامين العالية للعبادة وصناعتها للنفس النزيهة، وهكذا تبنى شخصية المؤمن من خلال الصلاة فتنشط مشاعره تجاه المحتاجين وينطلق بعد صلاته مكللا بالرحمة والرقة في قلبه، فيستجيب لنداء المحتاجين ويعمل على تخفيف ما هم عليه من عوز.

والعطاء ليس له من حد بل هو بذل وسخاء النفس وما تجود به، تعبر عما يحمله المتصدق من قلب طيب ونفس سخية تتألم لما تجده من ضيق الحال وضيق ذات اليد عند الغير، فينبعث ويهرع لتقديم المساعدة بما تجود به الأنفس.

ومن شرائط الصدقة الإخلاص لوجه الله تعالى وطلب التقرب منه دون أن تصاب مشاعر الفقير واليتيم بأي أذى، وما نراه من تسليط الأضواء والمقابلات مع الفقراء كسر لخواطرهم ويسقط ماء الحياء من وجوههم، فلنحرص على مبدأ السرية كما كان يصنع أمير المؤمنين في مواقف أخرى، إذ يحمل جراب الطعام ليلا ولا يفصح عن شخصيته بل كل همه بلسمة آلامهم والتخفيف عنهم.

علي إمام الإنسانية يعمل على نشر المحبة وبث التواد والتعاطف بين أفراد المجتمع، فالمتصدق تتنزه نفسه من التكبر والأنانية ويتخلص من تبلد المشاعر الوجدانية، ومن جهة أخرى ينظر الفرد لمن حوله بعين الرأفة والرقة فتتحرك خطاه - كعنصر فعال ونشط في المجتمع - لتقديم المساعدة للمحتاجين قدر إمكانه، وهذا العمل مبعث السعادة والافتخار عنده ويشعر بإنسانيته المكرمة عندما يتصف بالشفقة ويتخلى عن المنافع الضيقة، ولقد كان عطاء المتمثل بتصدقه بالخاتم له جنبة نورانية معنوية إذ يرمز للعطاء بلا حدود وانطلاقة بأقصى سرعة ودون تردد ليرفع الهم عن ذلك الفقير.