آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

دعاء الإمام الحسين (ع) في صبيحة عاشوراء «3»

وبذل مهجته فيك:

إن أي موقف أو تحرك ينطوي على هدف يسعى الفرد من أجل تحقيقه ويبذل جهده للوصول إليه، وتتعدد النوايا والغايات في نفس العمل فقد يفعله شخص رغبة في شيء بينما يتحرك شخص آخر بنفس الخطى ولكن الهدف مغاير له، ولنضرب مثلا بالصدقة على الفقير والنية الكامنة في قلب المنفق، فقد يبذلها شخص من ناحية عاطفية لا أكثر «الدافع الإنساني» حيث أن قلبه الرقيق لا يتحمل رؤية تلك الهيئة الرثة لذلك المحتاج فيقدم له ما يساعده على الحصول على أبسط مقومات الحياة الكريمة، وبالمناسبة فقد نجد هذا الأمر يشترك فيه الحيوان مع الإنسان فيساعد الحيوان حيوانا مثله لدفع الضرر عنه، وقد يكون الدافع لذلك يعود إلى نظرة الإنسان لنفسه «تضخم الذات» وطلبه بأن تسلط الأضواء عليه ويكون مثار اهتمام الآخرين وموقفه يكون موضع همسهم وأحاديثهم «الشخصية النرجسية»، وإعطاؤه الصدقة للفقير وسيلة يحقق منها هذا الهدف، ولذا لا يهتم بحال الفقير أصلا وإنما نظره مسلط على أعين الناس وألسنتهم، ولذا فهو غير مستعد لتقديمها في السر ودون أن يطلع على ذلك أحد من الناس إذ لا يرجو فائدة حينئذ.

وهناك من يقدمها للداعي الرباني وطلب القربة من الله تعالى ونيل رضوانه «الدافع الديني»، وهو ينطوي على رقة في القلب ولكنه يتآزر مع تطلع الفرد إلى عالم الآخر وتقديم شيء لرصيده في يوم الحساب، فلا يجد طريقا أقرب إلى رحمة الله تعالى وعفوه أقرب وأفضل من مساعدة عباد الله تعالى ورفع الهم والكرب عن وجوههم، وهكذا نجد الفعل الواحد ينطوي على اتجاهات ونوايا مختلفة.

ولذا فإن الإمام الحسين يفصح عن هدفه الأسمى من حركته الإصلاحية وتنزيهها من الأشر والبطر، بل كانت حركة إصلاح ينشد منها مواصلة نهج جده المصطفى ﷺ وهداية الناس إلى قيم الدين العالية، فكما واجه جده المصطفى ﷺ الانحراف العقائدي المتمثل بعبادة الأصنام والانحطاط الأخلاقي الذي وصل إليه الناس في زمن الجاهلية، كذلك الإمام الحسين تحمل المسئولية الدينية والاجتماعية هادفا إلى إعادة فهم الناس للدين الحنيف، بعد أن تمسك الناس بالقشريات والطقوس وأفرغوا دينهم من قيمه الداعية إلى الفضيلة والاستقامة والاستعداد للآخرة.

قرأنا عن تحركات وجمع للناس تشابه حركة الإمام الحسين ولكنها لم تكن خالصة لله تعالى، بل كان بعضهم أشرا أي هدفه الاستبداد والسيطرة على الآخرين بالقوة والبطش والعدوان، كما يحدثنا القرآن الكريم عن الحالة الفرعونية التي واجهها النبي موسى ، وآخرون هدفهم البطر أي الطمع والجشع وحب الرئاسة والجاه ولو أدى ذلك إلى الدمار وأبرز مثال لذلك الحالة القارونية والتي تلبس بها عمر بن سعد الطامح في حكم منطقة الري، وأما الإمام الحسين فحركته نهضوية ولكنها تتميز بأنها خالصة لوجهه وفي سبيل إعلاء راية الدين الحنيف دون أن يجر لتنوره الأقراص كما يقال.

والإمام الحسين لم يكن أمر شهادته بالخافي عليه أو على أصحابه الذين أخبرهم بمآل نهضته المباركة، كيف وهو الذي صدح بصوته المجلجل في مكة المكرمة، قائلا: وكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء …».

والدعاء المبارك له لم يكن ليركز على النتائج المعروفة عنده مسبقا وهي الشهادة في سبيل الله تعالى، بل كان فيه التأكيد على الإخلاص في حركته وطلب رضاه تعالى في المسار الامتدادي لنهج الإصلاح الذي عمل عليه جده ﷺ جاهدا، وفيه التسليم بقضاء الله تعالى والرضا بقضائه، فالإمام وإن علم بأن حركته ستنتهي بشهادته ولكن ذلك لا يعني التلاشي والاختفاء لها إذا لفها الزمان بعباءة النسيان من ذاكرة الناس، بل سيلفها الخلود والتوهج والتفاعل الوجداني والفكري معها؛ لتكون قبلة للأحرار في صناعة شخصياتهم وصياغتها وفق الأهداف الحسينية الإصلاحية بروح التضحية.

في دعائه الإمام الحسين ضمنه ما يشعر بهوية حركته الإصلاحية الخالصة لوجه الله تعالى، لقد كان جل عمره الشريف خالصا لوجهه باذلا في سبيل عمارة الدين وتهذيب النفوس وغرس القيم الدينية وتصحيح المفاهيم الخاطئة جهده ووقته ومهجته وكل غال ونفيس.

?