آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

في رحاب دعاء الإمام الحسين (ع) في صبيحة عاشوراء «10»

الدعاء والخلوة مع النفس:

يحتاج الإنسان إلى لحظات توقف وتأمل مع نفسه بعيدا عن الضبابية الناتجة عن الانشغالات في وسط زحامات الحياة، يعيد فيها ترتيب أوراقه وأولوياته ويتفحص جوانب التقصير والخطايا عنده، فالبعض قد يقع في مغالطة وغفلة عن نفسه ويكون ضحية تصورات كمالية وهمية يزينها له جهله، ويغيب عنه الكثير من النقائص التي التصقت به ولا يشعر بوجودها خصوصا وهو بعيد عن مبدأ محاسبة النفس ومراقبة وتفحص أفكاره وتصرفاته، فقد يكون المحرك لخطواته هي نفسه الأمارة بالسوء متبعا الأهواء والنزوات المسقطة له في مستنقعات الرذائل والعيوب دون أن يلتفت إلى انحداره الأخلاقي شيئا فشيئا، لا يلتفت إلى تغلغل النزوات إلى نفسه وتحوله إلى أسير لحب الجاه والمال، مما يدعوه إلى فعل القبائح كالكذب والخداع وتبرير أفعاله السيئة وعنونتها بما يبعد عنه إلحاق الخطيئة به، فمثلا يتهرب البعض عن مبدأ الأمر بالمعروف وتقديم النصيحة للمخطئ، فيغض الطرف عن الظلم والاعتداء على الحقوق ويعلل ذلك بعدم قدرته على تغيير الواقع، كما أنه يبعد نفسه عن خصوصيات الآخرين وإقحام نفسه في حياتهم الخاصة.

ومن صور الخداع التي يقع فيها المرء في علاقته بالله تعالى هو استصغار ذنوبه وتحقيرها وتصويرها كفعل بسيط لا يستحق عليه العقاب، ولذا لا يتوقف عنده فيندم عليه ولا يلتفت إليه كنقطة سوداء في ميزان أعماله.

وتأتي مدرسة الدعاء بما تحمله من مضامين عالية ومخاطبة شفافة مع الخالق العظيم لتهب النفس قدرا كبيرا من وضوح الصورة وإعطاء مساحة من التفكير وإحياء الوجدان؛ ليتطلع إلى نفسه وكأنها شخص آخر يتحدث معه ويتفحص ما فيه من خصال وأفكار وسلوكيات، فيوجه له النقد الإيجابي طلبا لتصحيح الأخطاء بعد اكتشافها وشد الهمة لاكتساب الفضائل الغائبة عنه.

فأدب الخطاب مع الله تعالى والذي يعرفنا به الأئمة الأطهار أهم ثماره معرفة النفس ونقاط الضعف فيها وأوجه التقصير الموجودة عنده، ومن ثم ينطلق إلى الاعتراف والإقرار بأخطائه دون اللجوء إلى إيجاد التبريرات الوهمية لها، فيعمل على معالجتها والبحث عن الأسباب المؤدية لها والطرق التي تخلصه من الدنو منها مستقبلا، فطريقة المعالجة الصحيحة هذه هي المكونة لحالة الندم والتحسر على ارتكاب الخطيئة، وأما الندم الآني فهو نتيجة مذكر بخطاياه ولكنه لم يقف عندها لمعالجتها بل أهملها حتى تلاشت من ذاكرته.

الاعتراف بالخطيئة يعني أنه يقر بإسقاط نفسه من عين الله تعالى بعد أن لوثها بالمعاصي، ويناجي ربه طالبا التوبة النصوح والمعونة الإلهية له لتطبيقها على أرض الواقع والاستمرار عليها، وأما مجرد التأثر العاطفي فهو ينتهي سريعا لأن العاصي ما جرم نفسه وما نظر إليها كمخطيء، عليه الاعتذار المتمثل بالكف عن ذلك مستقبلا والانتباه والحذر من الطرق الموصلة إليها، فترويض النفس وتهذيبها من دنس الخطايا ومنابت الشرور والعدوان يتحقق من خلال الخلوة مع النفس الصادقة، والتي يستشعر معها سوء الحال الذي أوصل نفسه إليه والخجل من جرأته على ساحة العظمة والقدرة الإلهية، إذ يرتكب الذنوب وكأنه مخلى السرب ولا رقيب عليه ولن يتعرض للمحاسبة والمجازاة على ما اقترفت يداه، هذه الحالة من التفلت السلوكي والطغيان النفسي والجرأة على ارتكاب المعصية وانتهاك حرم الله تعالى، ناتجة عن ترك المرء محاسبة النفس والتوقف للتفكير في حاله، ولن يجد المؤمن محطة مؤثرة في إيقاظ النفس من غفلتها والبدء في مراجعة أحواله قبل أن يرحل من هذه الدنيا فجأة وبلا سابق إنذار، هي محطة الدعاء ومناجاة الله تعالى وبث ما في نفسه من هموم وآلام تتعلق بالعقبات الواقفة في طريق صلاحه والاستعداد للآخرة، واستعراض مخالفاته يدعوه إلى طلب عفو الله تعالى والصفح عنه، وهذا يعني الوصول إلى طلب التغيير والإقلاع عن المخالفات والآثام والبدء في مراقبة جوارحه لئلا تقاربها، وهذه الأدعية تيقظ الوجدان الإنساني فيطلب رفعة النفس ويراها في التورع عن المحارم وطلب اكتساب التقوى في فكره وفعله وتعامله مع الآخرين.