آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 11:51 ص

التاريخية

محمد العلي * مجلة اليمامة

التاريخية تعني نفي الثبات عن الأشياء؛ لأن كل ما يحدث مرتبط بزمان ومكان حدوثه. ومعنى هذا هو تبدل اليقينيات والقيم والعادات وكل الأفكار والسلوكيات المتعلقة بها بصورة تطول أو تقصر؛ حسب نمو المعرفة لذلك الزمان والمكان. هذه مسلمة «استقرائية» انغرست في الأذهان منذ قال الفيلسوف الباكي هرقليطس: «إنك لا تعبر النهر مرتين»

السؤال الملح هنا، ما هو الجذر الذي يضع في يد التاريخ هذه القدرة الهائلة على التغيير؟ هنا تتفرع الإجابات من المثالية السارحة في وديان الميتافيزيقا والقائلة: إن قدرة التاريخ على التغيير ناتج من «الوعي» أو الروح أو العقل، إلى الواقعية المادية التي تجعل القناعة «منقادة / إليك تجرجر أذيالها» والتي يوضحها كارل ماركس بقوله: «ليس وعي الإنسان هو ما يقرر وجوده، بل إن وجوده المادي هو الذي يقرر وعيه» وهناك بعد هاتين الإجابتين إجابات قصيرة الظل منها أن التغير من فعل البيئة الطبيعية، ومنها من يعيده إلى البطل التاريخي الخ

هنا تبرز أمامنا إشكالية عاصفة، كيف يمكن أن نجمع بين المعقول وهو المتغير، وبين المنقول وهو الثابت؟ ولحل هذه الإشكالية فتح المعتزلة باب «التأويل» بدون حدود؟ أما الفيلسوف ابن رشد فقد وضع له سياجا لغويا محكما بقوله: «التأويل هو إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية، من غير أن يخل ذلك بعادة لسان العرب في التجوز من تسمية الشيء بشبيهه، أو بسببه، أو ما يقارنه، أو لاحقه، أو غير ذلك من الأشياء التي عددت في تعريف أصناف الكلام المجازي، والقصد من التأويل هو الجمع بين المعقول والمنقول» بهذا التحديد الواضح أقام ابن رشد ما يشبه السد أمام إطلاق مدى التأويل الذي قال به المعتزلة.

في العصر الحديث اتخذ مفهوم التأويل مدى واسعا، بدءا من الشيخ محمد عبده إلى نصر حامد أبو زيد ومحمد أركون ومحمد عابد الجابري، وغيرهم. ولكن في العصر الحديث، كذلك، من استخدم التأويل لا في المنقول، بل استخدمه فى المعقول، قائلا بكل ثقة: إذا تعارض المعقول للمنقول يجب أن يقاد ذلك المعقول من أذنيه ليوافق المنقول. هذا ما صرح به سيد قطب، راميا أقوال المعتزلة، ومن تأخر عنهم من المفكرين، في أقرب مستنقع آسن.

كاتب وأديب