آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 9:02 م

النفاق الجميل

محمد العلي * مجلة اليمامة

«يستريح الصباح / منذ أن جئتٍ في غرفتي / لا يروم الرواح / يدعي أنه انتٍ / هذا المنافق / لما رأى كيف أني تفتحت من نظرة / والفؤاد استراح» هذا ما قاله الشاعر العراقي عادل العامل، غاضبا، من ذلك الصباح المتطفل الذي يريد احتلال مكان حبيبته «في الركن / ذات المقعد» مدعيا، بوقاحة، أنه هي، وهو لا يعلم أنه بفعله الأرعن هذا قد أوقف الزمن عن الحركة. وعاث في الكون فسادا. ونحن، هنا، هل نلوم الصباح أم نلوم الشاعر؟ أن نلوم الصباح فذلك فعل عبثي، وإذن ليس في أيدينا إلا لوم الشاعر، ولكننا لو قمنا بذلك لفتحنا له بابا واسعا للضحك علينا، لأن زمن الشاعر زمن نفسي لا فيزيائي ولا اجتماعي، أي أنه لا يخضع لمفهوم الٌقَبل والبَعد.

عجيب هو هذا العدوان الذي يقترفه الشعراء على الطبيعة، ولا رادع لهم عن ذلك. حين وصفوا لنا سهرهم منذ زمن الطوفان حتى الآن تقبلنا ذلك برحابة، لكن ادعاءهم بأنهم راحوا يعدون النجوم يكشف كذبهم؛ لأن المحب ينشغل بتصور حبيبته، كما قال ابن المعتز: «لي من ذكراك مرآة / أرى وجهك فيها» ولا يلتف إلى أي شيء آخر، ما عدا ذلك الذهول الذي جدد التعبير عنه شاعر فيروز: «يبكي ويضحك لا حزنا ولا فرحا / كعاشق خط سطرا في الهوا ومحا»

«يومي بأيام لكثرة ما مشت / فيه الحياة وليلتي بليالي» الشاعر هذا يقينا من الصداع الذي تسببه الأقوال المتراشقة عن مفهوم الزمن، فهو يقدم لنا مفهوما جديدا للزمن، فهناك الزمن الحسي الذي يمثل الماضي والحاضر والمستقبل، وهناك الزمن المرادف للحياة؛ أي للوجود، ويختلف فيه الأفراد اختلافا وجوديا، فهناك من هو ممتلئ مثل بيضة بحياته الحسية، وهناك من يكون وجوده بلا ضفاف، حتى لو عاش زمنا حسيا أقصر من ذلك الذي عاشه الحسي. «ولأعش في الشعاع بضع ثوان / هي خير من ألف عام» هذا ما قاله إليا أبو ماضي، وهو من وقف أمام الوجود نفسه حائرا متسائلا: «جئت من أين؟»

هل سألت أنت هذا السؤال؟ أنصحك ألا تفعل؛ لأنك إن سألت ستدخل في غابة من الأسئلة لن تخرج منها إلا إذا حملت الشمس في يمينك، والقمر في شمالك.

كاتب وأديب