آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

الألق في حركة الإمام السجاد (ع) التبليغية «5»

قوة الشخصية والبصيرة في المواقف:

ورد عن الإمام السجاد في دعاء مكارم الأخلاق: «وَسَدِّدْنِي لِاَنْ أعَارِضَ مَنْ غَشَّنِي بِالنُّصْح».

يبذل الإمام السجاد الجهود الحثيثة في سبيل جذب الناس نحو القيم الدينية والأنس الروحي بذكر الله تعالى، وبلا شك فإن هذه الأجواء الإيمانية هي البداية الانطلاقية نحو حذاقة الفكر وإكسابه الوعي والنضج في النظر للأمور وتبصر الحقائق والنتائج لكل حركة وخطوة تصدر منه، كما أن النفس تتآزر مع الفكر في طريق نزاهة المشاعر من الجذور الشيطانية للكراهيات ونشوء الحزازيات بسبب سوء الفهم والاحتكاك في موقف معين، فالبعض يرحل المواقف الاحتكاكية مع الغير إلى وجدانه العاطفي فلا يقبل وجود الآخر ويضمر له البغضاء، وينتقل من ثم نحو الخصومات وهتك الآخر بلسانه المسلط على الأعراض والخصوصيات والأسرار. كما أن حركة الجوارح في التعامل مع الواقع والأحداث والعلاقات بعين الحكمة والاستقامة والخوف من الوقوع في دائرة الخطر والخسائر المعنوية تعينه في الترفع عن الخطايا والإساءة للآخر، ولذا نؤكد على أن مدرسة الدعاء عند الإمام السجاد هي تربوية وتهذيبية للنفس من الوقوع تحت نير الأهواء والشهوات وأسرها، فالدعاء واقع نابض وقبس مضيء في دروب الحياة يتحرك مع الإنسان كظله تماما، يستحضر مضامينه ومعانيه الراقية في مواقفه وتعامله فيجدها خير معين له في الترفع عن المعايب والنقائص وتربصات الشيطان الرجيم، وتثمر وتنتج جيلا يتنشأ على القيم والمبادئ المحققة لإنسانيته النبيلة، وما وجود الإنسان الحقيقي إلا بما ينجزه من عبادة وعطاء ومعروف يصنع به مكانته وشأنه، وهذه الأدعية المأثورة عن الإمام السجاد بما تحمله من مضامين وقيم تعد الضياء في دهاليز الحياة بما يحيي النفوس ويوقظها.

الإمام السجاد يوجه بطلب التسديد والعناية من الله تعالى في محطة صعبة في حياة الإنسان، وذلك أن المشاعر تستفز والنفس تغلي تجاه من جاء بالمكر والخديعة وتلبس بلباس الناصح الشفوق وحقيقته شيطان مريد من الإنس يريد إيقاعنا في المعايب والخطايا، وليس من السهل على المرء أن يعدي هذا الموقف بسهولة ويتقبل هذا التجاسر على شخصيته والدخول المموه في حياته، وهذا التسديد - بالطبع - لا يأتي من فراغ بل هو نتاج تطبع النفس بتلك القيم الأخلاقية الداعية إلى التسامح وتجنب مقابلة الإساءة بمثلها، فالإنسان المهذب يعرض مواقفه وردات فعله تجاه مواقف الآخرين المسيئة على مجهر عقله فينتظر منه تحديد الاحتمالات والردود المناسبة لحفظ كرامته وتجنب الوقوع في الخطر، وليس هناك من نقطة ضعف يجتهد الشيطان الرجيم في استغلالها فلا يفوت فرصة إيقاعنا في الخطيئة كهذه، فالإنسان إذا استفز في مشاعره ليس من السهل عليه الحفاظ على توازنه الوجداني والفكري ويصعب عليه تجنب الخطوات التهورية وردات الفعل الانفعالية، وهنا يؤكد الإمام على أهم مفاتيح الفلاح والنجاح في ضبط إيقاع الكلام والفعل الصادر منا وهو هدوء النفس والتريث قبل الشروع في أي خطوة تحسب علينا وتوقعنا في طريق الآفات الأخلاقية الخطيرة، فالتسديد الإلهي يعني طلب التوفيق من الله تعالى بعد الأخذ بالأسباب وترويض النفس وتربيتها من خلال المواقف العديدة على الهدوء وعدم الجريان خلف الانفعالات والكراهيات.

وأما مفهوم المعارضة فيعني الموقف الحازم بالرفض لما يطرحه الطرف الآخر من فخاخ وشراك في صورة نصح ونقد لكشف نقاط الضعف والتقصير عندي ظاهرا وهو مستبطن لحفرة ماكرة، وهذا يكشف عن شخصية قوية تتمتع بالبصيرة وقوة الإرادة والجدية في اتخاذ القرارات والمضي بناء عليها، وكل هذه الصفات تشير إلى شخصية خاضت غمار محاسبة النفس والتعقل في المواقف والتصميم والمثابرة في الأفعال والتصرفات، وهذه المعارضة والممانعة لا تقتصر على مخادعة شياطين الإنس، بل تشمل تزيين الشيطان الرجيم وتخدير الضمير أمام المخالفات الشرعية، والتنبه على المحاذير والأخطار المتربصة ينا جراء الإقدام على فعل ما ينبئ به ذلك المخادع في صورة تقديم النصيحة والمشورة.

كما أن النفوس الكريمة لا تبادل الإساءة بمثلها وتدخل في دهاليز المشاعر السلبية، بل تعلو على كل إساءة، ويبقى صاحبها محافظا على قيمه الأخلاقية حتى في تعامله مع المسيء، فإن غشه في النصيحة وأراد أن يوقعه في الخطيئة والضرر فسوف يقدم له النصح الصادق والنقد الإيجابي ولا يقابله بمثل غشه.

?