آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

قامات رياضية فقدتهم تاروت

عبد العظيم شلي

تمضي بنا الأيام، وتتوالى السنون، وعجلة الحياة تأخذنا كدا وتعبا، نخيط الأمل مع وجوه الأحبة، نتعاون نتكاتف في السراء والضراء ونتشاطر معا برسم الأفراح، وفجأة يسرق منا الحزن بهجة المسرات برحيل حبيب أو عزيز أو صديق أو جار أو صاحب، ننتحب نبكي على فراقهم، نتسربل بالحزن لأوقات قد تطول أو تقصر، لكننا ندرك تماما بأننا لا نملك من أمرنا شيئا فنسلم الأمر لله سبحانه وتعالى.

خلال عام كامل فقدت تاروت خمس شخصيات رياضية، وهو أكثر عام تخسر فيه تاروت هذه النفوس الطيبة، وجوه لعبت أدوارا مؤثرة في مسيرة الأندية وخصوصا نادي الهدى الرياضي بجزيرة تاروت، لما قدمته من خدمات جليلة لسنين خلت.

وأول الشخصيات التي غادرتنا بصمت اللآعب الموهوب الأستاذ محمد على دعبل، برز نجمه مع الفريق الأول لكرة القدم منذ تسجيل الهدى رسميا 1976م، واستمر حتى منتصف الثمانينيات، يجيد اللعب مركز جناح أيمن، سريع، مراوغ، قناص، وكم باغت الجميع بتسجيله أهدافا مبكرة وأخرى حاسمة.

محمد علي دعبل أحد خريجي معهد التربية البدنية للمعلمين بالرياض سنة 1978م ضمن مجموعة أصدقاء، حمد جابر حمود وعبدالله الوحيد وعبدالرسول زمزم، هؤلاء المعلمين قبل وبعد تخرجهم خدموا النادي خدمة كبيرة سواء لاعبين أو مدربين وأيضا مشرفين رياضيين.

امتاز اللاعب محمد علي بأخلاق عالية، فلم يتعمد يوما من أذية أي لاعب، ولا أظنه تحصل حتى على كرت أصفر، مسالم كافا عاف، ظريف المعشر، بعد ان ترك ساحات اللعب في منتصف الثمانيات، انزوى عن النادي وربما غاب اسمه عن الأجيال اللاحقة، لم يحظ بأي تكريم من قبل النادي أو المجتمع، وحين غيبه الموت قبل عام لم يتذكره أحد إلا المقربون.

ثاني الشخصيات التي رحلت عنا، الأستاذ عبدالله فسيل، شخصية رياضية مخضرمة، لعب في أواخر أيام نادي النجم، ومع اتحاد الفريقين اللدودين النجم والخليج سنة 1962 الذي أصبح فريق الوحدة كان المدافع الأبرز، ونقطة التحول عند تسجيل النادي رسميا، وتغيير اسمه لنادي المنار سنة 1967م خطف الأضواء بمهاراته العالية، أجرت معه جريدة اليوم مقابلة مطولة، وكاد نادي الاتفاق أن يضمه إلى صفوفه فرفض العرض، نظرا إلى حبه المنقطع النظير لنادي المنار بتاروت وأبرز لاعبيه من خارج تاروت، اللاعب والحكم رشيد سنبل، وسعيد المحروس من القطيف ولاعب من رحيمه «...» أطلقت الجماهير الرياضية على اللاعب عبدالله فسيل ب «صخرة الدفاع» نظرا إلى بنيته الجسمانية بعضلات مفتولة وصلابته في اللعب، مقدام يرعب المهاجمين، من قوة تسديداته للكرة يخشى أن تصيب أحدا وترديه أرضا.

ولمن لم يدرك وقت لعبه شبه باللاعب العراقي «عدنان درجال»، كاتب السطور ضيع فرصاً ذهبية لأخذ معلومات وافية ومطولة عن هذه الشخصية الرياضية الاستوائية، والشاهدة على محطات وتحولات أندية تاروت القديمة إلا بعض معلومات متطايرة لا تفي ما تعج به ذاكرته من أحداث.

أقسى شيء سمعته منه حين سقط نادي المنار سنة 1969م بكى لأيام وليال، غير مستوعب بأن ناديه انتهى للأبد، ودخل في مرحلة اكتئاب، فهجر أي شيء اسمه أندية انكفأ، وانزوى بعيدا عن الأنظار مكتفيا بتدريس مادة العلوم إلى أن تقاعد منذ عقدين من الزمن. وأقسى من ذلك الموقف بعد رحيله ابلغني أحد أبنائه بأنه كان يعاتب المجتمع الذي لم يكرمه يوما، ولم يلتفت إليه أحد!. عبدالله فسيل معلم ذكي وأول رسام في جزيرة تاروت ولوحاته كانت تزين نادي الوحدة منذ 1962م، حين رحلت زوجته أم ياسر شعر بأن الدنيا لا تستحق أن تعاش.

ثالث الشخصيات التي رحلت، الأستاذ عبدالله المرزوق، الذي يعتبر أول رئيس لنادي الهدى بعد تسجيله رسميا سنة 1976م، وعلى عاتقه ونظرته الثاقبة وحماس أعضاء إداراته، وهم كوكبة متنوعة وواعية من نائب الرئيس ابومدين الصغير والمشرف الرياضي الأستاذ عبدالله علي حسين مع أخيه أمين الصندوق عباس علي حسين والمشرف الثقافي المهندس جاسم سهوان، والأستاذ سعيد الطريفي إدارة حققت الكثير من الإنجازات من ضمنها، منشأة النادي الحالية بتنوع الملاعب المضاءة والمغلقة وسط سوق تاروت، إلى تحقيق جوائز على مستوى المملكة في المسرح ورفع الأثقال وألعاب القوى، وكان النادي شعلة في كافة المجالات الرياضية والثقافية والاجتماعية، الأستاذ عبدالله المرزوق من أوائل المدرسين في جزيرة تاروت شخصية خدمت النادي بكل ما أوتيت من قوة وحنكة، وقد حظي بتكريمات عديدة.

رابع الشخصيات التي رحلت بهدوء تام، منصور آل اسماعيل «الحسن» الذي يعتبر ثاني رئيس لنادي الهدى سنة 1979م، إنسان لعب دورا في تقريب وجهات النظر بين الفريقين اللذوذين النسر والنصر مع جهود الآخرين من حوله باتحادهما سنة 1972 تحت ناد واحد اسمه نادي الهدى، في هذه الفترة كان لاعبا لكرة الطائرة الذي لا يشق له غبار، ضارب من الدرجة الأولى، ”كبساته“ لا تصد ولا ترد، وكانت الجماهير تردد ”منصور كبس كبسة من الديرة إلى الدشة“، امتاز بحسن الخط فقام بخط لوحتين عنوانا للنادي الأولى نادي اليرموك، ثم تغير المسمى إلى نادي الهدى، وحلت محلها لوحة حبيب حمود المضاءة.

منصور اسماعيل لم يكن رئيسا لنادي الهدى فحسب، ولكنه تقلد مناصب إدارية في الكثير من الشركات والمؤسسات، يمتاز بكاريزما خاصة، فله هيبة وحضور واحترام عند الجميع لبق في الحديث لماح متوقد الذهن. إذ كان له دور في اتحاد الناديين النسر والنصر أيضا له دور فعال بالسفر إلى الرياض عدة مرات من أجل تسجيل النادي برفقة حبيب حمود، وأثمرت تلك الجهود بتسجيل نادي الهدى رسميا.

كانت له أماني ونظرات بعيدة في رقي نادي الهدى، لكن قدره بأن النادي في عام 1980 أصبح شبه خاوي نظر إلى كوابيس ذلك الزمن المر! ضاقت تاروت عليه بما رحبت فذهب عن أجوائها للعيش في البحرين، إلى أن وافته المنية قبل عدة أشهر، وكانت وصيته أن يدفن في أرض تاروت.

أما خامس الشخصيات التي فقدنها قبل أيام فهو الحاج عبد المحسن الصغير المعروف عند الجميع ب ”ابو مدين“، إنسان وجيه لم يأت من خلفية رياضية بل من خلفية اجتماعية فهو أحد الوجهاء الذين يتقدمون للجهات الرسمية باسم البلد للمطالبة بالخدمات. الضرورية من سفلة الشوارع وإنارتها، ومستوصف ومدارس للبنين والبنات ومد خط هاتف.. الخ، يحرر الخطابات، ويأخذ التوقيعات من الشخصيات البارزة، ويذهب إلى الرياض لمقابلة المسؤولين برفقة الوجيه أبو غسان أحمد الوحيد، وكم تعنوا، ولم يهدأ لهم بال إلا بتحقيق الطلب على أرض الواقع.

انتخب نائبا للرئيس، لأول إدارة لنادي الهدى 1976 حركي فعال في تسيير أمور النادي يتابع كل صغيرة وكبيرة جريئاً في الكلام يصمت كثيرا، ويفكر مليا، ويطلق رأيه بعد تأمل عميق، كثير التواجد في مقر النادي أو ضمن فعاليات الألعاب المختلفة. كانت له أحلام كبرى من ضمنها امتلاك النادي لمنشأة دائمة وعصرية، لكن مع شديد الأسف أجهض ذلك الحلم. ما أصعب أن تفني جل وقتك، وتضحي بالغالي والنفيس، ثم تقابل بالجحود، وكأنك نكرة مجردة! سوء الفهم والظنون من أسباب ضياع الكثير من الفرص لأن عقول عن عقول تختلف، هناك عقل يحرك بلد بأكملها إذا لم تقف وتدعمه ستخسر الكثير بل تحتاج إلى سنوات لتعوض مكانته.

الحاج أبو مدين من الذين ناضلوا في خدمة نادي الهدى ومجتمع جزيرة تاروت عامة. لي معه مشهد شخصي لن أنسه ما حييت، حين رأى مسرحية الكريكشون للأطفال من تأليف د. عبدالله حسن منصور، في حفل نادي الهدى الساهر 1976 تزينها خلفية من رسم ريشتي لبيوت قديمة تمثل أحد أزقة الديرة، لم يكتف بالثناء على اللوحة مثل الآخرين بل قام بتقديم هدية لي كانت عبارة عن حقيبة دبلوماسية سوداء لم تسعني الفرحة بهذا التقدير، حقيبة ما زلت إلى اليوم احتفظ بها واضعا فيها بعض الشهادات والأوراق الرسمية.

واشهد يا أبامدين بأنك كنت وفيا لأبناء بلدك، وكل الراحلين الذين فقدتهم أرض تاروت خلال عام كامل، سلام على تلك الأرواح التي قدمت خدمات جليلة مدفوعة بحب الأرض والمجتمع، نعزي إدارة وأعضاء نادي الهدى على فقدنا لهذه القامات الرياضية.

همسة وجدانية:

أتمنى أن تعمل لوحة شرفية في مقر النادي توضع فيه صور ونبذة مختصرة لهذه الشخصيات الرياضية وقبلها ممن فقدناهم، الذين اثروا في مسيرة وتاريخ نادي الهدى لتتذكرها الأجيال، وتعرف قيمة إنجازاتها.