آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 7:26 م

ليبيا مأساة هشاشتنا...!

الدكتور محمد المسعود

في ليبيا بلطف الماء، ورقة الهواء الذي يحمله، تكتشف البشرية عظيم هشاشتها، وعظيم ضعفها، وعظيم عجزها، صعد الماء فوق الماء حتى استطال ثلاثين مترا.. يتصاغر أمامه الإنسان وغروره، وما أحكم بناءه.. وأفرغ فيه قوته..!.

الماء الذي يهب الحياة ويستبقيها، يتحول إلى قاتل لا يمنح ضحاياه فرصة النظر إليه، وتتحول المدن بين يديه إلى واد من النمل العاجز الضعيف أمام سيل أعمى، يحمل طينه، ليستل به أرواح كل من تحل به روح..!.

في ثواني معدودات، واحدة كلمح البصر.!! وكل الأرواح كروح واحدة، وكل نفس بما هي فيه قبضت، وبما هي عليه خرجت، وكل إنسان بما كان عليه عاكف، وكل قلب تمت عليه خاتمته بما هو فيه من تعلق وبما ناله من إيمان..!.

قيامة ليبيا قيامة صغرى..!. لا نقيس الوقائع بمكيال القلب.. هو مكيال الوجود، والموت الذي يسبق الحياة واليها في كل زمان محتمل أن يعود إليه.. «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ».

تأتي القيامة الصغرى، في وقت يختاره الله تعالى ويقدره، محيطا بالدخائل، عالما بالمصائر، وتقف عقولنا على غير ما نتصور، وعلى غير ما نبتغي ونريد، أمام هذه القيامات الصغرى التي قبضت من الأرواح كيفما شاءت، وكيفما أرادت، تاركة خلفها موتا واحدا لحياة لا تتشابه..، موت المظلوم ومن ظلمه، وموت الغني والفقير..!

موت يسرع بكل نفس إلى حقيقتها، مجردة من كل أنا وشهوة ورغبة مستبدة، ولتقبض هذه القيامة أول ما تقبض أن تجعل الإنسان فجأة أمام ما هو ماض فيه، وأمام ما هو ذاهب إليه..

أمام هذا الألم العظيم، وأمام هذا الضعف العريض، نبات وفي قلوبنا أحمال ثقيلة، من الضغائن، والمظالم، والرغائب، والشهوات المتهمة في عفتها، ونحن لا نعرف ما نحمل وما نترك..! ولا نعرف متى تأتي قيامتنا «فمن مات قامت قيامته» وطويت صحائفه، وبقي له من الدنيا ما هو عليه من طهارة قلب أو صلاح عمل.. أو نقيضهما..

هذه أحداث عظيمة في موعظتها، لأنها تغرس في القلوب ما لا سبيل لنسيانه أو الشك فيه.. أن الموت حسرة أشد من الموت بالماء غرقا، وأن الموت على معصية تأذن على صاحبها بالفضيحة في الدنيا، وتلعنه في الدار الآخرة.

كل واحد منهم رجل أو امرأة طفلا أو شيخا أغمض عينيه على هموم كثيرة، ورغبات أكثر.. وفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل وقبل صلاة الفجر.. فتحها وهو في الدار الآخرة، وقد قامت قيامته..!.

تقبلهم الله تعالى عنده في الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.