آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 5:34 م

في الصراع.. وحله

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

تتميز أدبيات نظرية الصراع بالثراء، نظراً لما تحتويه من دراسات واسعة ذات صلة بقضية التغيير على المستويات المحلية والدولية. وتشمل تلك الأدبيات ظروفاً صراعية مختلفة ومرتبطة نوعياً بالمواجهات العسكرية في الحروب الأهلية والانتفاضات والاحتجاجات وضروب التمرد المنظم والعفوي وسائر النزاعات السياسية.

وغالباً ما تتم معالجة قضية التغيير بربطها بفن إدارة الصراع وحله. والتغيير، حسب هذه النظرية، لا يحدث تلقائياً كنتيجة لسيرورة داخلية أو بسبب من فشل لأحد الأنظمة القائمة. بل الأحرى أن يجري التعامل معه كاستراتيجية لحل الصراع، إما بالمواجهة العسكرية أو بالمفاوضات. وعلى حين يستهدف منهج المواجهة تجنب التسويات، فإن منهج المفاوضات يستند أساساً إليها.

فليس غريباً أن يكون الصراع ذا طبيعية صيرورية معقدة ومستمرة ومتراوحة بين المصادمة والمساومة والهجوم والدفاع والاندفاع والمناورة والإقدام والتراجع، باعتبار أي منها جزءاً لا يتجزأ من هيكلية الصراع.

وقد حمل الصراع مفهوم «الغائية» موجهاً نحو اكتساب مزيد من السلطة ووسائل النفوذ الأخرى، وبهذا يتحول الصراع إلى إدارة اجتماعية بغاية تحقيق أهداف معينة.

الصراع الاجتماعي هو تسابق على قيم أو مزاعم تحقيق السلطة والموارد المحدودة، يهدف من ورائه الفرقاء المتصارعون لا إلى تحقيق قيمهم المنشودة فحسب، وإنما إلى تحييد وإعاقة، إن لم نقل تصفية منافسيهم.

ويلاحظ في هذا السياق أن الظروف المفضية لنشوء صراعٍ ما، هي: تبين عجز المواجهة بالأساليب المشروعة، تزايد القوة النسبية لأحد فرقاء الصراع، تسيب الوضع الاجتماعي، التوجهات الأيديولوجية أو التحولات الأيديولوجية عند أحد الفرقاء.

إذاً، فحين يكون الهدف تحقيق الغايات المقصودة، لا بد للمساهمين في الصراع أن يكون لهم استراتيجية وتكتيك.

على أن العلاقة بين تكتيك الصراع وهدفه ينبغي دراستها في ضوء سياق عام، يتضمن مؤهلات عديدة. فرغم أن المرامي النهائية لكل تكتيكات الصراع هي الإجهاز أو التخلص من المعارضة، واحتياز القيمة المنشودة، فإنها لا تتحقق دوماً. فقد يتضح أحياناً أن تكتيكات الصراع غير قابلة للتطبيق، أو أنها غير كافية، أو غير فعالة. بل إن الأمر قد يتطور في أحيان أخرى ليكشف عن قصور في التكتيك، لا في الإجهاز على المعارضة والتخلص منها فحسب، أو العجز عن تحقيق القيمة المنشودة، وإنما قد يتطور بما يؤدي إلى تحفيز مقاومة غير متوقعة من العدو، مؤداها إلهاب الصراع إلى درجة الوقوع بالهزيمة تجاه الخصم أحياناً.

أما الطابع الدينامي للتغيير في أدوار الصراع، فقد لا يرتب نتائج ذات دلالة على المساهمين فيه، بل على نتيجة الصراع ذاته. لنأخذ مثلاً في هذا الصدد، ذلك الفريق المدافع والمتمتع بتعاطف جماهيري واسع ابتداء، كيف يؤول حاله حين ينتقل إلى حالة الهجوم، إذ ربما يكون مؤدى ذلك نفور أنصاره عنه في الداخل، كما قد يستفز عداوة خصومه بالخارج.

وفي المقابل ثمة حالة البادئ بالعدوان حين يقحم في مواقع الدفاع، إذ من الممكن أن توفر له وضعيته الجديدة هذه مناخاً من الشرعية، ما كان بالإمكان تحقيقه طالما كان في وضع المعتدي. وليس نادراً، في ظروف الصراع أن يتحول الفريق الأضعف من استراتيجية الهجوم إلى استراتيجية الدفاع، آملاً بذلك أن يحقق ما يحميه على نحو أفضل. فهذا التحول قد يخلق معه مناخاً من الشرعية، كما قد يؤمّن تعاطف الأتباع. وفي سياق صراع كهذا، قد يبرز حلفاء لأي من الفريقين بطريقة لم يحسب لها حساب.

وأحياناً تجري تعديلات على الأهداف والاستراتيجيات تجد تبريرها في الاقتناع بضرورة حل النزاع. وفي أحيان أخرى، يكتشف فرقاء الصراع أن الأجدى لهم البحث عن سبيل لإنهاء النزاع بشكل حاسم. وأحياناً أخرى، يقف الفرقاء في منتصف الطريق بنزاعاتهم، لإعادة تحديد وتعريف شروط تلك النزاعات.

وتتعرض الحركات الاجتماعية لتحولات أيديولوجية تترتب عليها تبعاً لذلك تحولات في المناهج الاستراتيجية. وفي هكذا حالة قد تبدل الحركة دورها في الصراع كلية.

وفي استعراض الظروف التي تدفع بالمساهمين في الصراعات نحو الوسائل غير المعترف بها، يطرح قضايا مهمة، مثل: عجز الوسائل المشروعة عن تحقيق الغرض، والضعف النسبي للمشاركين في الصراع، وتسيب الضبط الاجتماعي، والالتزام بخط أو تحول أيديولوجي ذي صفة جماعية. إن من شأن هذه الأسباب إضفاء مشروعية على الوسائل غير المعترف بها في الصراع.