آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 4:17 م

أبيض وأسود!

وسيمة عبيدي * صحيفة اليوم

- فهم الضد والتناقض جزء أساسي من عملية التفكير البشري والتدبر في المعاني. ويتم استخدام الأضداد لتوضيح الفروقات والتباينات في المفاهيم والظواهر. فالعدل مثلاً هو المفهوم الذي يشير إلى المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات وإعطاء كل ذي حق حقه. بينما يشير الظلم إلى المفهوم المعاكس وهو الجور والتعدي على حقوق الغير بمنعهم حقهم الطبيعي أو التفرقة والتمييز والإجحاف في المعاملة. من الصعب على العقل البشري فهم وإدراك مفهوم العدل لولا وجود الظلم. فلو لم يكن هنالك ظلم وتمييز في المجتمعات، فإن الحاجة للعدل تصبح غير ضرورية. فالظلم يسلط الضوء على الاختلال وعدم المساواة في المجتمع، ويدفعنا للسعي نحو إصلاح ذلك الاختلال وتحقيق العدل. وينطبق نفس المبدأ على مفهوم الليل والنهار، الإيمان والكفر، العلم والجهل، والأبيض والأسود.

- ومن هذا المنطلق كان معرض أبيض وأسود الذي افتتح يوم الأربعاء 1 نوفمبر 2023 في صالة علوي الخباز في القطيف. وهو معرض فني رأينا فيه كل ألوان الطيف على الرغم من عدم ظهورها. المعرض عبارة عن عرس فني باللونين، الأبيض والأسود. كل لوحة فيه تزف عروساً في أبهى صورتها تمشي بكل دلال بفستانها الأبيض متوجهة لعريسها بثوبه الأبيض وعقاله الأسود وبشته الموشح بدرجات الرمادي.

- لقد أبدع فنانو وفنانات جماعة الفن التشكيلي في القطيف في ذلك العرس، فقد احتوى المعرض على تشكيلة واسعة من اللوحات الفنية بأشكال وأحجام متباينة وأساليب فنية مختلفة، مثل الرسم بالرصاص والفحم، أو الأكريليك، إضافة للأنماط الفنية المتفاوتة بين الواقعية، والتجريدية، والتجسيم وغيره. وقد حملت كل لوحة رسالة فنية فريدة عكست رؤية الفنان وأحاسيسه.

استخدم فنانو وفنانات القطيف تباين اللونين الأبيض والأسود والدرجات اللونية التي ما بينهما، وطوعوا استخدام الظل والضوء ببراعة لإبراز العمق والأبعاد في اللوحات وإيصال الأفكار حيث انعكس اللونان الأبيض والأسود على جميع اللوحات برشاقة وأناقة فاقت الحدود.

ووفر المعرض فرصة للتفاعل والتعلم، حيث لم يبخل الفنانون على زوار المعرض بالمعلومات عن التقنيات المستخدمة في أعمالهم الفنية ومصادر إلهامهم. بالإضافة إلى إمكانية شراء اللوحات المعروضة إذا أعجبت الزائر ورغب في اقتناء قطعة فنية فريدة ومميزة.

بشكل عام، تعد زيارة معرض أبيض وأسود تجربة ساحرة تشدك نحو الجمال الأنيق والقوة التعبيرية المنبثقة من اللونين الأبيض الناصع والأسود الغامض، ويعد المعرض فرصة لاختبار الحس الفني.

لم أجد ما هو أجمل في وصف المعرض مما قاله شاعر «اليتيمة» في وصف فتاته «دعد» حين قال:

فالوجهُ مثل الصُّبحِ مُبْيَضٌّ

والشَّعرُ مثل اللّيلِ مُسْوَدُّ

ضِدّانِ لمّا استُجمِعَا حَسُنَا

والضّدُّ يُظهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ