آخر تحديث: 1 / 5 / 2024م - 11:11 ص

رسالة الصاهل والشاحج

طاهرة آل سيف

في أمسية حوارية حول «رسالة الصاهل والشاحج» لأبي العلاء المعري، أقامها صالون صهيل الكلام على مسرح الجمعية الخيرية بالقطيف ضمن موسم مكتبة خيال الإبداعي.

حيث افتتح الحوار الشاعر علي الشيخ، مقدماً الضيف الشاعر والباحث محمد الخباز الذي تحدث عن رؤيته وتجربته حول البحث في التراث، سيما المعري موضوع الندوة معاصرةً وشعراً، وبعد عرض دسم من الملاحقة والتحقيق امتد لعقدين من الزمن كما ذكر الشاعر محمد الخباز.

بدا السؤال الأكثر إلحاحًا في ذهني بالظهور مجددًا «في منأى عن التحقيق والبحث».

لماذا نقرأ الأدب الكلاسيكي!

أو بالأصح كما نوّه الخباز أننا نقوم بفعل «إعادة قراءة» للشعر أو السرد القديم.

في وقتٍ أرى فيه الأخوة كارمازوف يطلون من بين الأرفف كلما مررت بالمكتبة فأشعر بعبء التأجيل وسطوة السرعة! وأركن إلى مواكبة الحداثة وأكتفي بقراءة مراجعاتها..! لكن السؤال لا يكف عن التأنيب!

يذكر الكاتب الإيطالي إيتالو كالفينو: «الحقيقة الخالدة أن الكلاسيكيات تبدو في ظاهرها متعارضة مع وتيرة حياتنا التي تخلو من فترات الراحة الطويلة، لماذا نقرأها إذن بدلاً من الكتب التي تعيننا على فهم زماننا!، وأين نجد هدوء البال والفراغ للقراءة في مقابل سيل عارم من مشتتات العصر!، كما أنها تتعارض مع ظاهرة الانتخاب الثقافي الذي يعجز عن إيجاد دليل للأعمال الكلاسيكية المناسبة لنا، قد يكون العالم المعاصر تافهاً وسخيفاً، لكنه ما يزال نقطة ثابتة نقارن بها تقدمنا أو تخلفنا.

الكتب الكلاسيكية التي نعتقد أننا أحطنا بمضمونها مما قيل لنا عنها نكتشف أنها أكثر أصالة ومبتكرة وتنافي توقعاتنا، وذلك يحدث حينما يؤدي الكتاب الكلاسيكي «كلاسيكيتهُ» أي حينما يؤسس لعلاقة شخصية مع القارئ، أي لا فائدة من قراءة الكلاسيكيات بدافع الواجب يجب أن تُقرأ حباً.

تستوجب قراءة الكلاسيكيات تحديد إحداثياتها في زمن قراءتها وإلاّ سيضيع كل من الكتاب وقارئه في متاهة سرمدية».

يخلص الكاتب فاليلو أن السبب الوحيد لقراءة الكتب الكلاسيكية هو «أن قراءتها أفضل من عدم قراءتها»، قائلاً للمعترض على هذه الفكرة ما قاله سيوران: «كان سقراط يتمرّن على عزف الناي أثناء استخلاص السم من الشوكران، فسُئل: فيمَ سينفعك هذا العزف وأنت هالك لا محالة؟ فأجابهم: «يكفيني عزف هذا اللحن قبل مماتي».

لا شك جاء هذا ضمناً مع ما أشار إليه الخباز ممن قاموا بالتحقيق والبحث في حياة المعري أمثال طه حسين وبنت الشاطئ وتقديمه بصورة ميسرة للقارئ الحديث، كما قام هو يإصدار كتابه حول رسالة الصاهل والشاحج أسماه قصة الفرس والبغل الذي بلغ بعمله المتعة بعد تخطي مستويات عديدة من القراءة والفهم كما أخبر.

بدا الخباز ملماً بأثريّة بحثه على مدى سنوات طويلة، مُعرجاً على أهمية الاعتراف بالتأثر وإحالته للمؤثر الذي حرّك بإبداعه كوامن الكاتب، بل ذلك يشكل مطلباً لإبانة فضل من تأثرنا بهم!

وأتساءل ما الضير لو اعتبرنا الأدب والفن علماً إنسانياً مأخوذاً بالنقص، يتبع في نقصه طبيعة صانعه! كم سيكون ذلك أكثر مدعاة للصدق لو أسقطنا قليلاً أسبقيتنا في صنع الدهشة! كم سيكون النص البِكر شجاعاً!