آخر تحديث: 2 / 5 / 2024م - 1:07 ص

من التفاهة إلى العمق

هاشم آل حسن

في عصر يهيمن عليه البذخ والإفراط والتشتيت، تطرح ظاهرة التفاهة تحديًا أكبر من أي وقت مضى. تتسلل الأمور التافهة إلى تفاعلاتنا اليومية واستهلاكنا لوسائل الإعلام، بل وحتى إلى صحتنا النفسية والعقلية. تتميز هذه التفاهة بعدم أهميتها وافتقارها للغنى، مما يصرف تركيزنا عن المسائل الجوهرية التي تمس حياتنا ليغذي ثقافة سطحية لا عمق فيها ولا جدية.

تتجلى التفاهة في وسائل الإعلام والحياة اليومية من خلال التركيز المفرط على الأخبار غير المهمة، مثل ثرثرة المشاهير أو العناوين الصاخبة مما يساهم في ثقافة سطحية. تدفع هذه الثقافة السلوك الاستهلاكي نحو اتجاهات عابرة على حساب الجودة والاستدامة والنتيجة هي اقتصاد يصبح أكثر عرضة لعدم الاستقرار ويركز أكثر على الإنتاج السريع للسلع ذات الجودة المنخفضة بدلاً من خلق قيمة طويلة الأمد. وبالتالي يكون التركيز دائما على الاستثمارات السطحية التي تركز على الظهور والتباهي بدلاً من الجدوى الاقتصادية أو الاجتماعية.

ومن جانب آخر، يجب على الشركات مقاومة الإغراء وتجنب التركيز على الأمور التافهة، بل يجب عليها أن تتبنى الاتجاهات السوقية العميقة والابتكارات. فعلى سبيل المثال، تقوم بعض الشركات بالاستثمار في مشاريع أو شركات دون دراسة متعمقة في جدواها الاقتصادية أو الاجتماعية، بل فقط لأسباب الظهور أو التباهي.

لمكافحة التأثير المتغلغل للتفاهة، هناك حاجة إلى نهج متعدد الأوجه. حيث يلعب التعليم دورًا حاسمًا في تطوير مهارات التفكير النقدي ورفع الوعي الثقافي بين الأفراد. من الضروري تكاتف المؤسسات التعليمية والثقافية على نشر الوعي حول أهمية مواجهة التفاهة ومخاطرها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تلعب القوانين والتشريعات دورًا حاسمًا في الحد من انتشار التفاهة، مما يضمن مستقبلًا أكثر إشراقًا للمجتمع والاقتصاد.

من الأساس يعتبر الالتزام بأخلاقيات الأعمال والممارسات المستدامة عاملا مهما للحفاظ على التنافسية والنجاح طويل الأمد. وبالنسبة للمجتمعات، فإن الهروب من فخ التفاهة يعني إعادة التركيز على القضايا المجتمعية المهمة والأهداف طويلة الأمد بدلاً من الضياع في دورة من الأمور غير المهمة. فعلى سبيل المثال، يعد التعليم والتنمية المهنية ركنان أساسيان في هذا السياق، حيث يعتبر التكاتف بين المجتمع والقطاع الخاص عاملا محوريا لدعم وتعزيز الفرص التعليمية والتدريب المهني لإعداد الأجيال القادمة لمواجهة تحديات العصر ودفع عجلة التقدم.

كما نود التأكيد على أهمية تجاوز السطحية والتفاهة في سبيل تنشئة جيل جديد قادر على التصدي للتحديات المعقدة التي يحملها المستقبل لهم. ومن الضروري أيضا التركيز على تعزيز أسس اقتصاد قوي ومستدام وبناء مجتمع يحتفي بالعمق والمعنى والغاية في كل مسعى لخدمة الوطن.