آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 11:51 ص

الموقف... أيضا

محمد العلي * مجلة اليمامة

رادف المقال السابق بين الرأي والموقف. وحيث أن الموقف متعدد الدلالة لابد من التذكير أن الموقف يطلق لغويا على وضع الموجود بالقياس إلى ما يحيط به من الشروط الواقعية؛ أنه هو الموقع الذي يقف فيه الشخص. أما في علم النفس الاجتماعي فالموقف هو وضع الكائن الإنساني من حيث تفاعله في وقت ما مع بيئته الاجتماعية والطبيعية والفكرية. وهذا ما يوضح أن الموقف يأتي تفاعلا آنيا؛ أي يكون وليد الظروف الموضوعية، سواء كان صحيحا أو خطأ،، وتدخل في بنائه إرادة الفرد وأشواقه ومدى تقديره واستجابته للظروف.

مثلا: قال الجاحظ: «سألت الخزامي هل يسرك أن يقال لك بخيل؟ فقال: لا أعدمني الله هذا الاسم، فلا يقال لي بخيل إلا وأنا ذو مال، فسلم لي المال وسمني بأي اسم شئت. فقلت له: ولا يقال لك سخي إلا وانت ذو مال، وقد جمع الله لاسم السخاء المال والحمد، وجمع لاسم البخيل المال والذم. فرد الخزامي: بينهما بون بعيد وفرق عظيم، فإن قولك عني بخيل إبقاء للمال في ملكي، والمال نافع لأهله والحمد رياء وسمعة وسخرية.

مثل آخر: «قتل الشاعر هدية بن خشرم رجلا، فجيء به للقصاص، فعرض أهله فدية كبيرة لإنقاذه، وكاد ابن القتيل أن يوافق، فقالت له أمه: أعطي الله عهدا لئن لم تقتله لأتزوجنه، ويكون بذلك قد قتل أباك ونكح أمك. فاقتص منه في الحال»

إن الموقف الذي رأيناه في المثالين لا يقتصر على الظرف الآني للمتكلم أو المخاطب، بل يشمل كل الظروف الذاتية والاجتماعية التي تؤثر في السلوك والتي يبنى عليها رد الفعل. وهناك ما يسمى «سياق الموقف» وهو يعني دلالة النص اللغوي، وشوط إحداثه للأثر الذي قيل من أجله. وهناك ما يسمى اللغوي. وهكذا تتعدد دلالة الموقف من الموقف الآني إلى الرأي حين يتحول إل عقيدة أي رؤية للكون والإنسان والذات.

يقول أبو نواس:

غير أني قائل ما أتاني

من ظنوني مكذب للعيان

آخذ نفسي بتأليف شيء

واحد في اللفظ شتى المعاني

ويمتاز شعر أبي نواس  حسب أدونيس  «بحلول احتمالية المعنى محل يقينيته» وما يتمناه كل شاعر يتجاوز نفسه باستمرار.

كاتب وأديب