آخر تحديث: 4 / 5 / 2024م - 12:00 ص

التوازن قانون كوني

وسيمة عبيدي * صحيفة اليوم

تسود مجموعة من القوانين الكونية هذا الكون الواسع الذي نعيش فيه وتعمل على تنظيم عمله وتؤثر بشكل كبير علينا. من تلك القوانين، قانون الحركة، قانون الجاذبية، قانون الطاقة، قانون التوازن وغيرها الكثير من القوانين الفيزيائية التي لو بحثنا عنها بتمعن لوجدناها مختبئة بين طيات حياتنا اليومية. لو تأملنا حولنا لوجدنا القصص التي تعكس ميل الإنسان للتطرف، فإما سمين وعليل من كثرة الأكثر أو نحيف نحافة مرضية من قلة الأكل، إما مكتفٍ بطفل وحيد مدلل جداً أو لديه 20 طفلاً لا يحفظ أسماءهم جميعاً وليس لديه الوقت أو المال الكافي لتربيتهم وتعليمهم، إما عازب أو مزواج.. إلخ.

وقد كتبت سابقاً أن الطبيعة البشرية تميل كثيراً للتطرف إلا من رحم ربي وأن الوصول للاعتدال والتوازن هو جهاد النفس وهو الجهاد الحقيقي. دائما ما يجد المتطرف في أي ناحية من نواحي الحياة، سواء كان في الدين أو العمل أو حياته الشخصية، نفسه تحت مشاكل وضغوط نفسية لأن الكون يحاول تصحيح مساره وإعادته لنقطة الاتزان. ونستطيع تشبيه ذلك بسوق الأسهم عندما يستمر في الارتفاع ولفترة طويلة فتأتي مرحلة توقع حدوث التصحيح ليعود السوق لمرحلة التوازن. في الفيزياء، يعتبر التوازن أمراً أساسياً للاستقرار. وعلى سبيل المثال، في الهندسة الميكانيكية، يجب أن تكون القوى المؤثرة على جسم ما، متوازنة لكي يبقى في حالة سكون أو حركة ثابتة. مثال آخر هو أهمية التوازن في التجارة ونظام العرض والطلب، إذ إن أي اختلال كزيادة العرض مثلاً سيؤدي إلى انهيار الأسعار وخسارة التجار أو زيادة الطلب سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وخسارة المستهلك.

يلعب قانون التوازن دوراً حيوياً للحفاظ على البيئة أيضاً حيث يعمل النظام البيئي تحت تفاعلات معقدة بين الكائنات الحية والعوامل البيئية، كاستهلاك الكائنات الحية للأكسجين للقيام بمختلف العمليات الحيوية والتي ينتج عنها إطلاقها لثاني أكسيد الكربون الذي تستخدمه النباتات للقيام بعملية التمثيل الضوئي وإنتاج الأكسجين ثم إطلاقه لتستخدمه بقية الكائنات الحية. إذاً، أي اختلال في التوازن بين نسب الأكسجين وثاني أكسيد الكربون كزيادة الأخير بسبب احتراق الوقود سيساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ. قال تعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطاً أي أمة وسطية ومعتدلة في أمور الدين، لم تجعلوا أنبياء الله آلهة كالنصارى ولم تجحدوهم كاليهود، وفي القاعدة الشرعية، لا إفراط ولا تفرط، والإفراط هو التسرع والقيام بأكثر مما يجب، أما التفريط فهو التراخي والقيام بأقل مما يجب. التوازن قانون كوني وسر من أسرار الحياة، ومن المهم السعي لتحقيق التوازن بين أي نقيضين. أي تطرف فكري أو سلوكي، لن ينتج عنه إلا نتائج سلبية.

تأملت كثيراً في كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز «يحفظه الله» حين قال: «رسالتنا للجميع: لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالا، ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحل يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال»... كلمات عميقة المعنى تعكس رؤية وتوجه قائد يسعى لمكافحة التطرف وتعزيز قيم الاعتدال والاحترام المتبادل والتعايش بين مختلف طبقات المجتمع لتحقيق الاستقرار والتقدم.