آخر تحديث: 30 / 4 / 2024م - 10:38 م

”قل لي ما فعلت هيئة الثروة السمكية لبحرنا أقل لك من هي“

مريم آل عبد العال *

يلحق بحر القطيف أيضاً بعضاً من النسيان الحاصل على الواحة، يستردف مما يناله من غدر بيئي زفراته الأخيرة، وتساؤلات عدة طائلة بعد صراخه العقود الأخيرة حين بكمت له فأردته، هل يصعب على وزارة الزراعة وهيئة الثروة السمكية أن تحمي ما وُضعت من أجله، هنا «قل لي ما فعلت وزارة الزراعة من جهود أقل لك من هي» فقد سمحت بردم الساحل الشرقي كما سمحت بردم الرقعة الزراعية في القطيف، وماطلت التعديات دون عقوبات رادعة.. يكثر الجدل ويكثر العتاب، فتغير لون البحر ورائحته وإنتاجه السمكي، وما زالت الجهود يردمها التسويف، ويردم البحر هذا التسويف. مهام لن نعتبرها ثقلاً على الجهات الرسمية ولا على المنشآت والشركات المستثمرة المعنية. فماهي التفاصيل التي تدمي القلب لحجم النسيان المنتقع في بحر القطيف بعد مجده والدولة تأتي على رأس الدول العربية في تنمية الثروة السمكية والتي تعد مكوناً مهماً في قاعدة الموارد، التي يمكن أن تسهم في سد الفجوة الغذائية من البروتين الحيواني، والذي يحقق دخلاً من العملات الصعبة عالمياً؟!.

تبدلت أحوال الثروة السمكية في القطيف وما زالت تتبدل. فهاهو بحر القطيف يعاني من تلاشي الكثير من أنواع الأسماك بسبب ردم سواحله والتعدي على الغطاء النباتي في تلك المساحة، السبب الموجع الذي جعلها مستوردة بنسبة تزيد على ال 60% بعد أن كانت مصدرة للدول المجاورة، والأسباب واضحة، بعضها حملها الصيد الجائر من شركات الصيد الكبيرة وكذلك البحارة ومن آلات الصيد المخالفة بيئياً، ورغم شح الأسماك النوعية اليوم في بحر القطيف بعد كل ذلك إلا أن زيادة الطلب من الشركات الكبيرة كان سبباً مشاركاً في تهديد الإنتاج السمكي بعد ما يقارب العقد، ولأن الأسماك في الخليج العربي تنخفض سنويا بنسبة 10 % وهي ما كشفت عنه تقارير وزارة الزراعة. فالخطر محدق حتماً.

وبحر القطيف حملوه ذنب مالم يقترف. فمن عظيم ما صدر مؤخراً حين صرح وكيل وزارة الزراعة لشؤون الثروة السمكية ضمن المبادرة السابعة لتنمية قطاع الثروة السمكية بأن 70% من الاستثمارات هي لشواطئ الساحل الغربي و30% فقط على الشرقي لعدم ملاءمته لهذه المشاريع بسبب ازدحام الساحل بالمنشآت الصناعية، في حين أنه لم تكن المنشآت الصناعية حكراً على كامل الساحل الشرقي فهنالك تجارب لمزارع في أنحاء الخليج وعلى سواحل الدول الخليجية ناجحة مع العلم أن المنشآت الصناعية لا تدخل على سواحل بحر القطيف مما يرجعنا لغياب الاهتمام الواضح من قبل الوزارة باسثمار ما يمكن استثماره، وبحر القطيف يشكل بقعة مميزة بحاجة لأن تحظى بفرصة استزارع الأسماك فيها وأن تقام فيها مراكز للأبحاث. فأين المشكلة يا هيئة الثروة السمكية؟!.

ومن باب العلم بالشيء ولا الجهل به يعتبر الخليج العربي كنزاً غني الأسماك والأحياء البحرية قلّ أن تتوفر في غيره من البحار. يرجع ذلك لشبه انعزاله حيث يشكل بيئة بحرية فريدة وغنية. والخليج منتج من الناحية البيولوجية إذ يتوفر فيه الأساس الغذائي الهام لجميع الأسماك والحيوانات البحرية، ويعيش فيه اكثر من 300 التي تم وصفها والتعرف عليها حتى الآن فيما يعتقد آخرون بأنها تتجاوز 400 نوع ويصل عدد الأسماك الصالح منها للأكل 258 نوعاً. فما سبب عدم مبادرة الهيئة باستزراع الأسماك النوعية المحلية في بحر القطيف لتحافظ على بقائها، فبعد المجد المشهود له ما زالت المبررات كسولة وبدون محاولات إنقاذ فعلية، والتي يمكن أن تحقق أولاً رفع أمن غذائي آيل للافتقار، بعدها سنقول إعادة الاكتفاء الذاتي من الثروة السمكية، فمنذ أن أنشئت هيئة الثروة السمكية انتشرت مبادراتها في انحاء المملكة فعلياً بمزارع الأسماك، ولم تقدم للساحل الشرقي من بحر القطيف خصيصاً شيئاً ملموس للآن.

ولما تشدو به الوزارة وغيرها من ألسن إعلامية فبعد حرب الخليج 1991م وما خلفته من آثار التلوث النفطي، ودون محاولة إصلاح ما أفسدته المنشآت الصناعية وما يهدده التلوث البيئي على الساحل الشرقي، وبالأخص بحر القطيف فبعد أن كان يملأ أرجاء السواحل بعبق النباتات البحرية، هاهو الآن يبث روائح مياه المجاري غير المعالجة لتسجل مخالفة بيئية دون أن تحرك الجهات المعنية أي ساكن اتجاهها، وبردم المانجروف وردم البحر. أين الجهود لإبعاد هذا التلوث عن الساحل وهنا تساؤلات تنبثق من موج البحر:

1/ إذا كان المانع من إنشاء المزارع في الساحل الشرقي سبب التلوث بالمقدار الذي سيضر المستهلك، فلماذا أصلاً تسمح هيئة الثروة السمكية ببيع الأسماك الموجودة الآن في الساحل الشرقي؟!!

فمن باب أولى أن تنشأ مزارع ساحلية وسيكون مصير الانتاج كمصير الأسماك في البحر ومآلها إلى المستهلك.

2/ هل هو قدر القطيف أن يطال التهميش كل جوانبها البيئية؟ وتطالها الأسباب نفسها التي نقلت مصنع التمور في بداية الثمانينات إلى غير القطيف بحجة عدد النخيل عندما كانت تحوي أكثر من مليون نخلة، فقد تكون هي كذلك، ولكن بشكل آخر في بحرها، فهل يعقل أن مصدرة الأسماك لا تستحق الاستزراع في بحرها؟!.

3/ أما بالنسبة للصيد الجائر فهيئة الثروة السمكية تقف متفرجة على انتهاكات البيئة البحرية ومن أهمها الصيد الجائر الذي يطال صغار الأسماك، فهل سنت عقوبة أو تجريم على المتداولين في السوق المركزي لهذه الأسماك، لماذا لا تشرع الرقابة في السوق كباقي أسواق الأسماك في ارجاء المملكة، وتفرض العقاب على كل من يجلب صغار الأسماك للحفاظ على دورة التكاثر الطبيعية لها؟!!

3/ ما هو رأي رئيس هيئة الثروة السمكية في الابتعاثات التي أعطيت إلى مهندسين من أبناء القطيف لعمل دراسات عليا وبحوث ومشاريع لإثراء الثروة السمكية في جازان وباقي ساحل البحر الأحمر بينما لم نجد بحث من تلك البحوث أجري لنفس الغرض للثروة السمكية في بحر القطيف؟!!

4/ تشهد أنحاء المملكة اتساعاً علمياً وتقنياً وارتقاءاً في هذا المجال، فسارعت لافتتاح المعاهد الصناعية من أجل تأهيل أيد عاملة لتغطية حاجة التخصصات الرادفة للدعم في هذا المجال، فأين الساحل الشرقي عن كل تلك التوجهات؟

إن إعادة مجد الثروة السمكية في الساحل الشرقي بما تبقى فيه من أشجار المنجروف واستزراعها في أمل عودة مجد الثروة السمكية لهذا البحر وارد وممكن، هنالك أربع دراسات صدرت عن جامعة الملك فهد للبترول وغيرها الكثير، تنبئ بضعف الإنتاج بعد سنوات من الآن بسبب ما يواجهه الخليج من تلويث وردم سواحله والصيد الجائر فيه، إن الأوضاع طارئة تفرض الحاجة لتفعيل حماية للبيئة البحرية. ولا توجد حجج بعدها تحبط المستثمرين، فهنالك أمثلة للمشاريع الناجحة الكبيرة والصغيرة كمزرعة الفارس للكافيار وتجربة المواطن ”أسعد هاشم“ لزراعة سمك الهامور ومن يريد الاستزداة عنهما فليلجأ لمحركات البحث. لابد من المسارعة باستزراع الأسماك في الخليج.

كاتبة صحفية - إعلامية وناشطة في مجموعة قطيف الغد