«51» خيرية الانسان هي فطرة الله
الناحية الاخرى ان وجود المحسنين، لا يبطل الحاجة الى حكومة تقيم العدل في المحسنين وغير المحسنين. غاية ما يقال في المسألة ان الموضوع الاول لعمل الحكومة، اي ردع البغي، ليس له مصداق في ذلك الجزء بالتحديد. وقد بينت ان رأيي هو أن الأدلة النقلية - وليس العقلية - هي العمدة في ثبوت الإمامة الدينية. بخلاف الرئاسة التي دليلها عقلي. وبها يرتبط موضوع التظالم، على فرض ثبوته. وقد توصلت في البحث الذي نحن بصدده، إلى عدم علاقته بالإمامة ولا أدلتها.
جدير بالذكر ان الذين بنوا قولهم بضرورة الحكومة على اصالة التظالم، أجازوا للحاكم أن يستبد بالأمر ويقهر الناس على الصلاح. وهو الرأي الذي مال إليه معظم فقهاء المسلمين القدامى. أما رأيي فان الدولة هيئة اجتماعية يقيمها الشعب لتمثيل مصالحه وإدارة التعارضات التي قد تحصل فيما بينها، على نحو يجعل تنوعها وتعارضها طريقا للتكامل والتفاعل، بدل ان تقود إلى التناحر. الذين قالوا بالطبيعة الخيرة للجنس البشري، يرون أن الناس لو تركوا وشانهم لكانوا اقرب إلى الصلاح. ولهذا لا يجيزون قمعهم أو فرض حكم استبدادي عليهم. والفارق بين ما ينتج عن الرأيين لا يخفى على عاقل.
أ» ان الجهل والفجور والظلم والكفر جزء من فطرة الانسان التي فطره الله عليها.
ب» ان هذه الاوصاف والحالات، اعراض تصيب الانسان او يحملها في تيار الحياة، وليست جزء من جوهره. بمعنى ان فطرته سليمة لكنها قابلة للفساد والتأثر بدواعيه لاحقا.
هذان احتمالان، ولا نستطيع القول بضرس قاطع ان احدهما هو مراد الايات المباركات. لكننا نستطيع القطع بالقدر المتيقن كما يقال، اي الحد الأدنى المؤكد حدوثه، وهو الثاني.
دعنا الآن نذهب الى الايات التي تحدثت بشكل محدد عن الفطرة، اي الطبيعة الاصلية للانسان التي فطره الله عليها. نقرأ مثلا قول الحق سبحانه ”فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون - الروم 30“. تتحدث الاية عن التوحيد أو الارتباط الروحي بين الإنسان وخالقه، تلك هي الفطرة. فهل يكون الموحد الفطري طاغيا أو فاجرا فطريا؟.
هذه الآية لا تحتاج إلى مزيد بيان. لكن للرد فقط نقول أن الله سبحانه، خلق الإنسان ومكنه من أتباع أي سبيل يشاء، وحمله المسؤولية عن اختياره. فأتباع الطريق القويم هو احتمال أقوى، لأنه اقرب إلى مراد الخالق. وأتباع الطريق الفاسد هو احتمال ثان ممكن، لان الله أراد للإنسان أن يكون حرا مختارا. ثم أن القول بان الإنسان طاغية بالفطرة معارض لأصل العدل الإلهي. فإذا كانت فطرة الإنسان الأصلية هي الفساد، فان دخول الجنة حق للفاسدين، الذين لم يعلموا بالنبوة، أو لم يصلهم خبر النبي، لأنهم اتبعوا فطرتهم التي فطرهم الله عليها. ويجب أن نمتدحهم على فسادهم وبغيهم، لأنهم اتبعوا الطريق الذي اختاره الله لهم.. فهل يصح هذا الكلام؟.
ونضيف إلى ذلك دلالة الآية المباركة ”لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم“ فهل من حسن التقويم، فساد طبيعته وفطرته الأصلية؟.