آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:53 م

ثقافة الاستقطاب

محمد أحمد التاروتي *

الاستقطاب احد الوسائل المستخدمة، في لزيادة الأصدقاء والحلفاء، حيث تختلف الطرق المتبعة لجذب الآخرين، فهناك المشتركات القادرة، على خلق الظروف الموضوعية، لتشكيل نواة حقيقية قادرة على قول الكلمة الفصل.

الاستقطاب سياسة ممارسة، على الصعيد الفردي، والاجتماعي والدولي، بمعنى فإنها ليست حكرا، على أطراف بعينها، دون الآخرين، وبالتالي فان الغايات المستهدفة، لانتهاج هذه السياسة، تلتقي في نقاط وتختلف من زوايا اخرى، مما يجعل وضوح الرؤية، ليست كاملة في القراءة الدقيقة، لمختلف الأطراف.

فالمنطلقات المحركة لدى الأفراد، تلتقي مع مساعى الدول، وقد تتباين بشكل كامل، في الأهداف المتوخاة، خصوصا وان الأفراد يتحركون وفق المحيط الاجتماعي الصغير، فيما تكون الرؤية لدى الدول شمولية وواسعة، مما يجعل التلاقي بين الطرفين، امر ممكن في زاوية، ومستحيل في طرف اخر، فالعملية مرهونة بالقدرة، على قراءة الواقع المعاش، والاستراتيجية المرسومة للاستقطاب.

الإغراءات المادية، تمثل احد العوامل الاساسية، في القدرة على كسب ود الآخرين، فالغني قادر على فرض ارادته، على الطرف الاخر، بمعنى اخر، فان بريق المال والذهب، يشكل عاملا أساسيا في استقطاب الغني قبل الاخر، خصوصا والاطماع لدى الغني، تدفعه للتقرب من اصحاب النفوذ والمال، للحصول على جزء من الغنيمة، كما ان الفقير ينطلق من الفاقة للانضواء، تحت لواء الغني، ”الفقر يخرس الفطن“ و”الفقر الموت الأكبر“.

المصالح الدنيوية، سواء الاجتماعية او السياسية، تشكل بدورها محفزات لنجاح مساعي الاستقطاب، فالاموال ليست دائما عاملا حاسم، ا في تشكيل الكيانات على اختلافها، حيث يمثل الخوف المشترك، عنصر تلاقي في تسريع الاستقطاب، بالرغم من التباين الفكري والعقدي، بين الأطراف، بيد ان المصالح الكبرى لتلك الأطراف، تجبرها على الجلوس، حول طوالة واحدة للدفاع، عن الخطر القادم، فالتاريخ يتحدث عن استقطاب متناقض تماما، بين كفار قريش واليهود، في تشكيل حلف لمحاربة رسول الاسلام ﷺ، بهدف القضاء ديانة الاسلام، باعتبرها تهديدا حقيقيا، على المصالح الدنيوية، لتلك الأطراف على اختلافها، مما يدلل على قدرة المخاوف المشتركة، في تعبيد الطريق امام الاستقطاب، لخلق كيان يتحرك لهدف موحد، ولفترة زمنية محدودة للغاية.

الأهداف السياسية، تمثل احد عوامل الاستقطاب، فهذه الأهداف ليست مقتصرة على الدو، ل بل تشمل كذلك الأفراد، فالطموحات السياسية تنمو لدى الأفراد، مما يدفعهم للبحث، عن حلفاء لمناصرتهم، في ترجمة تلك الأحلام السياسية، الامر الذي يترجم على شكل احزاب سياسية، تقودها شخصيات تمتلك رؤى سياسية، سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي، بحيث تعمل تلك الشخصيات، على التقرب من البيئة الاجتماعية، لاستقطاب المزيد من العناصر المؤيدة، للتوجهات السياسية، كما ان الدول تمارس سياسة الاستقطاب، في العلاقات الخارجية، حيث تعمل على نشر مبادئها في العالم، لكسب المزيد من التأييد، الامر الذي يَصْب في خانة تقوية حضورها، على المستوى الدولي، فالدول التي تمتلك رصيدا قويا، من العلاقات الدولية تستثمرها، في الضغط على الاطراف المناوئة، او استخدامها ابان الخلافات السياسية، او النزاعات العسكرية، حيث تمثل ورقة الحلفاء، احد الأدوات السياسية القادرة، على كسر إرادة الطرف المقابل، الامر الذي يفسر اصرار الدول، على تفعيل مبدأ الاستقطاب، بشكل دائم ومستمر، من خلال تصفير الأعداء، وزيادة الأصدقاء.

كاتب صحفي