آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

هل حقاً سنبيع أرامكو؟ «4»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة اليوم

ليس بوسع أحد التفريط في ميزته النسبية والتنافسية الأبرز، ولن أكون مبالغاً إن قلت إننا نمتلك من خلال أرامكو ميزة مُطلقة، فهي «حوتُنا الأزرق» الذي ليس له مثيل؛ فأرامكو السعودية ليست مجرد شركة نفط وطنية تتولى نيابة عن الحكومة المالكة لها استكشاف واستخراج وتسويق النفط، ففضلاً عن ذلك تمتلك أرامكو امتيازاً حصرياً لاحتياطي ضخم يتجاوز 260 مليار برميل من النفط في بقعة جغرافية واحدة، إضافة لشبكة كثيفة من المصالح والتحالفات والشركات التابعة والحليفة في شتى بقاع العالم، وتمارس أرامكو عبر تلك الشركات أنشطة متنوعة ضمن سلسلة القيمة في صناعة النفط والغاز بما في ذلك الأنشطة اللوجستية على سبيل المثال لا الحصر.

وعلى الرغم من أن أرامكو كانت قد أعلنت عن نواياها منذ سنوات بأنها ستتحول لشركة صناعية عالمية، ولذا فقد دلفت من خلال صناعة التكرير إلى الآفاق الرحبة لصناعة البتروكيماويات، وسعت، في سبيل تحقيق ذلك، لعقد منظومة شراكات مع شركاتٍ هي الأكثر تأثيراً في العالم ك «داو كميكال» على سبيل المثال، وكان هناك من ينظر لهذه الخطوة بأنها بعيدة عن دور أرامكو التقليدي، باعتبار أن أي صناعة تتجاوز تكرير النفط، كالبتروكيماويات مثلاً، تُعَدّ تجاوزاً للخط الفاصل بين أرامكو وشركات سعودية عملاقة ك «سابك»، وأن ذلك ينطوي على تعارضٍ استراتيجي لشركاتٍ سعودية يفترض أن تعمل بانسجام وتكاتف. غير أن المثال الأقرب - في ظني - لما تسعى أرامكو أن تكون عليه لعله «اكسون موبيل»، النشطة في حلقات سلسلة القيمة كافة، فلا تحدها جغرافيا بلد، بل أفقها العالم، وكل ما يمكن أن يولده النفط والغاز من قيمة، والتي تسعى لتصبح الشركة الرائدة في العالم في مجال النفط والبتروكيماويات عبر تفوقها مالياً وتشغيلياً. وهي شركة ترعرعت على مدى 135 عاماً من بيع الكيروسين، لتصبح حالياً أكبر شركة نفط وبتروكيماويات مساهمة عامة في العالم، بقيمة سوقية تتجاوز 335 مليار دولار. وعلى الرغم من كل ما تقدم، فإن تحول أرامكو إلى شركة مساهمة عامة سيأخذها إلى أفقٍ أبعد، ولعل تحقيق الرؤية 2030 يتطلب أن تأخذ أرامكو نهجاً عالمياً بما يحقق استقطاب استثمارات جوهرية للاقتصاد السعودي، سواء في قطاع النفط والغاز أم في البتروكيماويات أم سلسلة التزويد، ويحقق لها كذلك مزيداً من الفرص للعمل عالمياً.

هل هذا يعني أن أرامكو في طريقها لتتحول من شركةٍ حكومية لتصبح شركة عالمية، وأن طرحها للاكتتاب ليس هدفاً في حد ذاته بل لتتحول إلى شركة مساهمة عامة عالمية مُدرجة في عدة أسواق، لتنتقل بذلك من مضارب شركات النفط الحكومية القائمة في الكويت وعُمان وأبوظبي والبحرين وقطر التي تهدف في الأساس لاستغلال مخزون بلدانها من النفط والغاز، لتنتقل لصفوف شركات النفط العالمية التي تجوب العالم بحثاً عن فرص ومكاسب؟ قد يكثر الكلام ويقل إجابةً عن هذا السؤال، لكن يبدو أننا لن نراه «مُحبرّاً» إلا في نشرة الإصدار، في العام 2018، فيما يبدو، وفقاً لما نقلته صحيفة «وول ستريت جورنال» مؤخراً.

عُرفت أرامكو السعودية كشركة لاستكشاف وإنتاج وتسويق النفط، وهي شركة حكومية، لها امتياز شامل للقيام بأغراضها في طول وعرض أراضي الوطن الغالي. وتتولى أرامكو تنفيذ أغراضها من خلال امتلاك منظومة متكاملة ومدمجة من الموارد، يأتي في مقدمتها المورد البشري دون شك، فهو المرتكز الذي راهنت عليه أرامكو منذ البداية. ومن أهم مكونات تلك المنظومة سلسلة متشعبة ومترابطة لتحقيق المهام اللوجستية المساندة لعمليات استكشاف واستخراج وتسويق ونقل وتكرير النفط الخام؛ إذ لم تكتف أرامكو بامتلاك سلسلة التزويد بل كانت حريصة منذ بدايتها الأولى أن يكون لها إسهام متزايد في سلسلة القيمة كذلك؛ ولا أدل على ذلك من التوجه المتصاعد للشركة لتصبح شركة «للطاقة» وليس لإنتاج وتكرير النفط فقط، وبعد ذلك شركة «للبتروكيماويات» كذلك. ويبدو أن المبرر لذلك توليد القيمة المضافة وعدم الاكتفاء بتصدير النفط خاماً. وتوجه الشركة العملاقة لتجاوز انتاج وتصدير النفط الخام قديم؛ فهي - على سبيل المثال - امتلكت مصافي تكرير مبكراً منذ العام 1945، إلا ان انغماسها في «التصنيع» كان في حدود ضيقة جداً، بالنظر للاحتياطيات والإمكانات، فلسنوات طويلة كانت الطاقة التكريرية لسنغافورة التي لا تمتلك برميلاً من الاحتياطيات تتجاوز ما تكرره المصافي السعودية برمتها! هل حقاً سنبيع أرامكو؟ «4»

د. إحسان بوحليقة

ليس بوسع أحد التفريط في ميزته النسبية والتنافسية الأبرز، ولن أكون مبالغاً إن قلت إننا نمتلك من خلال أرامكو ميزة مُطلقة، فهي «حوتُنا الأزرق» الذي ليس له مثيل؛ فأرامكو السعودية ليست مجرد شركة نفط وطنية تتولى نيابة عن الحكومة المالكة لها استكشاف واستخراج وتسويق النفط، ففضلاً عن ذلك تمتلك أرامكو امتيازاً حصرياً لاحتياطي ضخم يتجاوز 260 مليار برميل من النفط في بقعة جغرافية واحدة، إضافة لشبكة كثيفة من المصالح والتحالفات والشركات التابعة والحليفة في شتى بقاع العالم، وتمارس أرامكو عبر تلك الشركات أنشطة متنوعة ضمن سلسلة القيمة في صناعة النفط والغاز بما في ذلك الأنشطة اللوجستية على سبيل المثال لا الحصر.

وعلى الرغم من أن أرامكو كانت قد أعلنت عن نواياها منذ سنوات بأنها ستتحول لشركة صناعية عالمية، ولذا فقد دلفت من خلال صناعة التكرير إلى الآفاق الرحبة لصناعة البتروكيماويات، وسعت، في سبيل تحقيق ذلك، لعقد منظومة شراكات مع شركاتٍ هي الأكثر تأثيراً في العالم ك «داو كميكال» على سبيل المثال، وكان هناك من ينظر لهذه الخطوة بأنها بعيدة عن دور أرامكو التقليدي، باعتبار أن أي صناعة تتجاوز تكرير النفط، كالبتروكيماويات مثلاً، تُعَدّ تجاوزاً للخط الفاصل بين أرامكو وشركات سعودية عملاقة ك «سابك»، وأن ذلك ينطوي على تعارضٍ استراتيجي لشركاتٍ سعودية يفترض أن تعمل بانسجام وتكاتف. غير أن المثال الأقرب - في ظني - لما تسعى أرامكو أن تكون عليه لعله «اكسون موبيل»، النشطة في حلقات سلسلة القيمة كافة، فلا تحدها جغرافيا بلد، بل أفقها العالم، وكل ما يمكن أن يولده النفط والغاز من قيمة، والتي تسعى لتصبح الشركة الرائدة في العالم في مجال النفط والبتروكيماويات عبر تفوقها مالياً وتشغيلياً. وهي شركة ترعرعت على مدى 135 عاماً من بيع الكيروسين، لتصبح حالياً أكبر شركة نفط وبتروكيماويات مساهمة عامة في العالم، بقيمة سوقية تتجاوز 335 مليار دولار. وعلى الرغم من كل ما تقدم، فإن تحول أرامكو إلى شركة مساهمة عامة سيأخذها إلى أفقٍ أبعد، ولعل تحقيق الرؤية 2030 يتطلب أن تأخذ أرامكو نهجاً عالمياً بما يحقق استقطاب استثمارات جوهرية للاقتصاد السعودي، سواء في قطاع النفط والغاز أم في البتروكيماويات أم سلسلة التزويد، ويحقق لها كذلك مزيداً من الفرص للعمل عالمياً.

هل هذا يعني أن أرامكو في طريقها لتتحول من شركةٍ حكومية لتصبح شركة عالمية، وأن طرحها للاكتتاب ليس هدفاً في حد ذاته بل لتتحول إلى شركة مساهمة عامة عالمية مُدرجة في عدة أسواق، لتنتقل بذلك من مضارب شركات النفط الحكومية القائمة في الكويت وعُمان وأبوظبي والبحرين وقطر التي تهدف في الأساس لاستغلال مخزون بلدانها من النفط والغاز، لتنتقل لصفوف شركات النفط العالمية التي تجوب العالم بحثاً عن فرص ومكاسب؟ قد يكثر الكلام ويقل إجابةً عن هذا السؤال، لكن يبدو أننا لن نراه «مُحبرّاً» إلا في نشرة الإصدار، في العام 2018، فيما يبدو، وفقاً لما نقلته صحيفة «وول ستريت جورنال» مؤخراً.

عُرفت أرامكو السعودية كشركة لاستكشاف وإنتاج وتسويق النفط، وهي شركة حكومية، لها امتياز شامل للقيام بأغراضها في طول وعرض أراضي الوطن الغالي. وتتولى أرامكو تنفيذ أغراضها من خلال امتلاك منظومة متكاملة ومدمجة من الموارد، يأتي في مقدمتها المورد البشري دون شك، فهو المرتكز الذي راهنت عليه أرامكو منذ البداية. ومن أهم مكونات تلك المنظومة سلسلة متشعبة ومترابطة لتحقيق المهام اللوجستية المساندة لعمليات استكشاف واستخراج وتسويق ونقل وتكرير النفط الخام؛ إذ لم تكتف أرامكو بامتلاك سلسلة التزويد بل كانت حريصة منذ بدايتها الأولى أن يكون لها إسهام متزايد في سلسلة القيمة كذلك؛ ولا أدل على ذلك من التوجه المتصاعد للشركة لتصبح شركة «للطاقة» وليس لإنتاج وتكرير النفط فقط، وبعد ذلك شركة «للبتروكيماويات» كذلك. ويبدو أن المبرر لذلك توليد القيمة المضافة وعدم الاكتفاء بتصدير النفط خاماً. وتوجه الشركة العملاقة لتجاوز انتاج وتصدير النفط الخام قديم؛ فهي - على سبيل المثال - امتلكت مصافي تكرير مبكراً منذ العام 1945، إلا ان انغماسها في «التصنيع» كان في حدود ضيقة جداً، بالنظر للاحتياطيات والإمكانات، فلسنوات طويلة كانت الطاقة التكريرية لسنغافورة التي لا تمتلك برميلاً من الاحتياطيات تتجاوز ما تكرره المصافي السعودية برمتها!

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى