آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

ولا تنازعوا

يطل الشهر الفضيل بأبهى صورة تهذيبية وتوجيهية لصناعة مجتمع يتحلى بالفضيلة. وتربط بين أفراده علاقات مستقرة وناجحة، فهل هناك من يغفل عن الآفة والفيروس الذي يدمر العلاقات الاجتماعية، ويضربها بالهشاشة والضعف، ويرفع منسوب التوتر والمشاحنات والقطيعة، ويحيل المجتمع إلى مجرد فندق يقطن كل فرد إحدى حجراته دون أن يكون له أي ارتباط بالآخر، ولا يهتم لشئون وحاجات غيره؟!

الصوم الحقيقي هو امتناع النفس عن التعلق والتولع بالشهوات، فالشخص المادي ترتسم في أفكاره وسلوكياته زخارف الدنيا وزينتها بما يطبع حياته بالبعد المادي الصرف، فلا هم ولا تفكير ولا خطى عنده سوى ما يتحصل منه على شيء من حظوظ الدنيا، غير آبه بمستقره الأخروي فلا يعمرها إلا بالغفلة والتقصير والالتهاء وموت الضمير عن القبائح.

وبالتأكيد فإن التكالب على حظوظ الدنيا وجعلها مقرا دائما، يجعل الناس يسنون أنياب الطمع والخداع والعداوات وتقاطع المصالح الضيقة، وتسود بينهم مشاعر متأججة والظنون السيئة وإعداد حفر المكر والتلون الاجتماعي.

يأتي الصوم ليصحح مسارا خطيرا ينجم عن استجابة الناس لصوت الشقاق والخلاف وإثارة النعرات، فالصوت المنفعل في المحادثات والحوارات المتشنجة يرتد سلبا على علاقات يكتنفها الحب والاحترام والثقة بالآخر، وهنا تبرز الحاجة إلى مذكر ومنبه لخطورة الدخول في معترك الخلافات والكراهيات المتأججة، وما تقود إليه من تفكك عرى العلاقات، صوت يلامس شغاف القلب وسمت الفكر.

ثقافة التسامح إن سادت كعملة قيمية يتداولها أفراد المجتمع تجاه أي احتكاك أو سوء تفاهم أو خلاف، ستحافظ على استقرار العلاقات ومتانتها، وتبقي القلوب على بياضها وصفائها وخلوها من الأحقاد الحارقة لكل ما هو جميل في حياتنا ويحيلها لرماد، ويفسح المجال أمام التراجع والاعتذار، ويبعد الناس عن التمادي في الخطأ والإصرار عليه، بأن يدعوهم لمراجعة مواقفهم وكلماتهم.

الصوم يربي الإنسان على التخلص من أهوائه وأنانيته ووهم الانتصار على الآخرين، ويعلي عنده قيمة صفاء النفس من الأغلال مهما كانت الأسباب الداعية إلى ذلك، وينشيء الأفراد على سلامة القلب من مدخلات الحسد وسوء الظن، ومتى ما صان المرء نفسه من مشاعر التجاهل والكراهية للغير، فليعلم أنه قد حاز نصيبا وافرا من غايات الصوم.