آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 2:42 م

حِوار الكنيسة

الدكتور مصطفى المزعل *

كنت يوم الأحد الماضي مدعواً مع إحدى الطالبات المسلمات، للحديث في إحدى كنائس مدينة بورتلاند الأمريكية، وذلك ضمن ندوة شبابية تهدف لتعريف وتوعية مرتادي الكنيسة أكثر بالمسلمين، كانت التجربة الأولى لي للحديث في كنيسة، ولفت نظري طبيعة الخطاب الذي تبنته الكنيسة، ومديرة الحوار، والتي قالت لي بأن ليس علي التحضير لشيء، والاكتفاء بإعطاء إجابات صريحة وصادقة.

سألت المحاوِرة، ما الذي يجعلك سعيد وفخور كونك مسلم؟ ما هو الصعب في أن تكون مسلما في أمريكا وفي هذا الوقت؟ ماذا تحتاج من حلفائك؟ وسأل أحد الحضور، ما هي الانطباعات الخاطئة التي يحملها البعض تجاه المسلمين؟ ما الذي يمكن أن أفعله كشخص مسيحي لكي أكون داعماً للمجتمع المسلم؟ والعديد من الأسئلة التي تعكس روحية طيبة، وخطاب احتوائي، ورغبة في فهم الآخر لا تحديه، استيعاب معتقداته لا دحضها، ناهيك عن عبارات التضامن المباشرة التي وجهها الحضور لي ولزميلتي المشاركة في الندوة.

كثير من الحوارات التي تدور بين أتباع مختلف الأديان والمذاهب تكون متوترة ومتشنجة، يغلب عليها طابع المناظرة والمجادلة، وقرع الحجة بالحجة، وهذا غير مستغرب حينما يكون الدافع للحوار ”إحقاق حق وإزهاق باطل“، مهما قُدّر الثمن، ومنبثق من عقلية امتلاك الحقيقة المطلقة، والتي يُراد اقناع الآخر بها لإنقاذه من الضلال!

غالبا ما تكون هذه المناظرات والحوارات مثيرة، ويحظى أصحاب هذا الخطاب بجمهور واسع، غير أن مردودها سلبي أكثر من كونه إيجابي، خصوصاً أن من يشارك فيها عادة ما يشارك وفي عقله قناعات مسبقة مُغلّفة بغلاف محكم، وعلى استعداد للإرسال لا للتلقي، فإذا كانت الغاية من هذا الخطاب، إقناع الآخر وجذبه لهذا الدين أو ذاك المذهب أو المعتقد، فهو نادراً ما يحقق هذه الغاية، بل على العكس، يُنفّر الآخر.

نحن بأمس الحاجة في بلادنا العربية إلى خطاب الكنيسة الذي أشرت إليه مسبقاً، وهو ليس إلا مثال واحد بسيط على خطاب الاحتواء والتضامن والتعايش، وإنما ذكرته لأنني عايشته مؤخراً في الكنيسة، والجامعة التي أدرس بها، وإحدى المدارس المتوسطة التي زرتها، ورأيته خير مثال على ما نحتاجه في وقتنا الراهن، حتى بين المسلمين أنفسهم.

جمال التواصل والحوار في تقريب الناس، وإعانتهم على فهم بعضهم البعض، حتى تتعزز الألفة الاجتماعية، ونحصل على مجتمعات قوية متماسكة، دعونا نفكر في مردود نقاشاتنا قبل البدء بها، دعونا نسأل الآخر لنفهمه ونُسعده، لا لنُحرجه ونُكفرّه!

دكتوراه الإدارة الهندسية التكنولوجية