آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

ثقافة الحرية

محمد أحمد التاروتي *

يختلف مفهوم الحرية، باختلاف البيئة الاجتماعية، والثقافة السائدة، فهناك الحرية غير المنضبطة، والمفتوحة الى عنان السماء، بحيث تسمح للجميع بالتعبير عن قناعاته، وأفكاره دون مراعاة للذوق العام، او وضع حدود لتلك الممارسات، مهما كانت صادمة، او غير مقبولة.

في المقابل توجد الحرية المشروطة، والتي تنطلق من مبدأ، ”تنتهي حريتك بمجرد انتهاك حرية الاخر“، فهذه الحرية تشكل اطارا قانونيا، في تقويم بها السلوكيات المعوجة، خصوصا وان الانفلات الكامل تحت يافطة الحرية، يخلق بعض المشاكل الاجتماعية، سواء صعيد العلاقات الفردية، او الاجتماعية، لاسيما وان غياب القانون يحول دون تقويم السلوك الفردي، وكذلك الممارسات الاجتماعية.

اختلاط مفهوم الحرية او محاولة التلاعب بالالفاظ، يحدث مشاكل اجتماعية كبرى، اذ يعمد البعض لمحاولة تجاوز الخطوط الحمراء، عبر التمسك بمبدأ الحرية، ورفض الانصياع، لمبدأ تضييق الحريات على اختلافها، الامر الذي يؤسس للاصطدام المباشر، على قاعدة الدفاع عن الحرية، والحيلولة دون استلابها، فالمواجهة القائمة بين دعاة الحرية المنفلتة، وأنصار تقنينها، لا تقتصر على الإطار الفكري، بل قد تصل الى المواجهة المسلحة، وإراقة الدماء.

الوقوف امام الدعوات الصادقة، لوضع ضوابط للحرية، احد المعالم البارزة، لانصار الانفلات الكامل، فهذه الشريحة لا تتورع عن انتهاج مختلف الأساليب، في سبيل الوصول الى أهدافها، بحيث لا يقتصر الامر على المطارحات الفكرية، للانتصارللقناعات، بل تقوم بتحريك جميع الأطراف، للضغط على الطرف الاخر، سواء من خلال الضغوط السياسية، او الاقتصادية.

البيئة الاجتماعية، تمثل احد العوامل المساعدة، على نمو، او انحسار انفلات الحرية، خصوصا وان أنصار الحرية المطلقة، سيجدون أنفسهم غرباء، وغير قادرين على التحرك، لجر المجتمع باتجاه الانفلات، بدون وجود بيئة خصبة قابلة، لاستقبال هذه المفاهيم الثقافية، بمعنى اخر، فان الحرية مرتبطة بقابلية المجتمع الإنساني، سواء بالنسبة للانضباط او الانفلات.

المبادئ الدينية، او الديانات السماوية، ليست في مواجهة مباشرة، مع الحرية الإنسانية سواءالفكرية، او الاقتصادية، او السياسية، ﴿لكم دينكم ولي دين، بيد ان النظرة الضيقة للنواهي، والأوامر الإلهية، تدفع البعض لاتخاذ موقف تصادمي، مع أنصار الحرية المسؤولية، والتي لا تتعارض مع الفطرة السليمة، ولا تتناقض مع المفاهيم العقلية، حيث تحاول بعض الأطراف المتضررة، من وضع الحرية في النصاب الصحيح، لأحداث بعض المشاكل في سبيل عرقلة، مسيرة الحرية المتوازنة.

يتحدث القرآن بصورة مباشرة، عن اختلاط مفاهيم الحرية، لدى قوم نبي الله شعيب، فالقوم ينظرون لدعوة نبي الله شعيب، باعتبارها تدخلا في الحرية، ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ، فالقرآن يسجل مواقف قوم نبي الله شعيب بصورة دقيقة، اذ لم يتحدث عن رفض دعوة النبي، باعتبارها مخالفة لسيرة الآباء، وإنما جاء الرفض من خلال الاحتجاج، على التدخل في التصرف في الأموال، باعتبارها أملاكا خاصة، مما يعتبر تقييدا لحرية التصرف الأموال الشخصية، فهم إذا اكتالوا على الناس يستوفون، ويزيدون عما يستحقون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون وينقصون، ولا يعطونهم ما يستحقون، بيد ان القرآن ينقل على لسان نبي الله شعيب، قوله ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.

كاتب صحفي