آخر تحديث: 6 / 5 / 2024م - 1:44 ص

كاتب: نظرية التداعي أهم نظرية في توليد الأفكار

أرشيفية
جهات الإخبارية جمال الناصر - القديح

بين الكاتب محمد الحميدي أن نظرية التداعي تعتبر من أهم النظريات في مجال توليد الأفكار وصياغتها، وتتقاطع مع أجزاء من نظرية المعرفة وأجزاء من نظرية الرصف أو التراصف اللغوي، التي استفاد منها اللغوي الأمريكي تشومسكي في بناء وتأسيس نظريته حول النحو التوليدي.

وذكر أن نظرية التداعي تتحدث عن جانبين؛ الأول يتجه ناحية تلاقي الكلمات والعبارات المتشابهة أو المتماثلة وتشكيلها لمنظومة دلالية ضمن إطار معرفي واحد.

وأوضح أن كلمة ”شرب“، تتماثل وتتراصف مع كلمة ”الماء“، لكنها لا تتراصف مع كلمة ”الإسمنت“ أو ”الحديد“، مشيرا إلى إن العلاقة بين الماء وبين الشرب علاقة واضحة لا تحتاج إلى إعمال ذهن، بكونها تأتي في سياق الأحاديث الاعتيادية دون الحاجة إلى تأويلها.

وتابع: بينما العلاقة بين الشرب والحديد أو الإسمنت، تحتاج إلى جهد وتفكير للوصول إلى المعنى المراد.

وأضاف: الجانب الثاني من النظرية يتجه ناحية تلاقي المستحيلات في الدلالة، كلمة ”شرب“ يمكن أن تتراصف مع كلمة ”البحر“ وكلمة ”رمل“ تتجانس مع كلمة ”الصحراء“.

وقال: هذان التركيبان اللغويان وإن كانا اعتياديين في الاستعمال إلا أنهما يأتيان في سياقات لا يمكن فهمها وإدراك مغزاها إلا بالتأويل.

ومثل: ”شربتُ ماء البحر حتى أصبحت كبدي كالجمر تحوي الملح والألم“، مفيدًا لا يمكن الوصول إلى الدلالة بدقة إلا عبر التفكير والتأويل، والعلاقة بين شرب ماء البحر وتحول الكبد إلى جمر هي علاقة استحالة وعدم حدوث، لذا ينتفي المعنى الثاني بانتفاء المعنى الأول وعدم قدرة الإنسان على شرب ماء البحر.

ولفت إلى أن نظرية التداعي في جانبيها يمكن استخدامها لتوليد الكلمات واستحضارها ومن ثم جلب السياقات، التي ”تنتمي أو لا تنتمي“ إليها، بعدها تتشكل الأفكار والصور.

وأشار إلى أن الأدباء عامة، يعتمدون على نظرية التداعي بوعي منهم أو بدون وعي، وقال: " ويمكن التمثيل لذلك بنظرية التراصف اللغوي، التي تبحث في المفردات ووضعها داخل السياق ومدى ملاءمة دلالة الكلمة لمعنى الجملة.

وأكد بأنها نظرية معروفة قديمًا استفاد منها المفسرون للقرآن الكريم، النقاد للشعر كعبد القاهر الجرجاني في بحوثه البلاغية حول الشعر العربي.

ولفت إلى نظرية تراسل الحواس التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بنظرية التداعي؛ حيث توجد الحواس الخمس: الشم والنظر والتذوق واللمس والسمع.

وأردف: كل حاسة من هذه الحواس يمكن أن تنوب عن الأخرى، فالأذن ترى والأنف يسمع، وعبرها يمكن توليد آلاف الأفكار بل ملايين الأفكار غير المألوفة، وهو الأمر الذي استفادت منه المدرسة الرمزية في الأدب العالمي ومن ثم العربي.

وذكر أن النظرية الثالثة التي ترتبط بنظرية التداعي، قدمها اللغوي ”تشومسكي“، عبر عنها بالنحو التوليدي أو التحويلي؛ حيث يبدأ بكلمة، ثم يضع أخرى تجاورها ثم ثالثة ورابعة وخامسها وهكذا إلى أن يتمكن من تكوين عدد لا يحصى من الجمل معتمدًا على التقديم والتأخير والحذف. وقال: ”إن لكل تركيب معنى مختلف عن التركيب الآخر“.

ونوه إلى النظرية الرابعة، التي تتصل بنظرية التداعي، قدمها السورياليون ً، حيث تعتمد على الالتقاط الحر للكلمات وتشكيل جمل منها دون رابط يجمعها، ليكتفون بتدوين الكلمات الواردة في أذهانهم مباشرة على الورقة، ولهم في ذلك طرقهم الخاصة، كالكتابة الآلية التي تجعل اليد تكتب بمعزل عن الذهن ومنها تتشكل نصوصهم وأشعارهم.

وذكر أن تعريف النظريات، تساهم في صناعة الأفكار وتوليدها، وقال: ”تستخدم كلمتي الابتكار والإبداع في أحاديثنا العادية للإشارة إلى شيء واحد هو الاختراع، وهذا لا ينفي الفارق بينهما، فالابتكار اختراع لشيء ما كأن يكون دراجة أو طائرة أو عبارة، الإبداع هو في الوصول بهذا الابتكار إلى الإدهاش عبر التوظيف الفاعل“.

وأشار إلى أن الكاتب يبتكر الكثير من العبارات الجميلة لكنها تظل مجرد ابتكارات، إلا إذا استعملها في سياقات توظيفية تكسبها أبعادًا أخرى، تتجاوز معناها القريب أو الموضوعة له.

وقال: ”يمكن التمثيل هنا بابتكار الشاعر جاسم الصحيح لعبارة «نجمة الأرض الأخيرة» في قصيدته، التي تحمل نفس العنوان حيث يعطيها أبعادًا اجتماعية وسياسية ودينية وحضارية وتنبؤية مستقبلية“.

وبين أن ابتكار الصحيح لعبارته جاء بسبب الحاجة إلى ملء الفراغ في الذهنية العربية، مؤكدا أن الحاجة تمثل الحافز الأول والرئيس في الابتكار فالإنسان يلجأ إليه بسبب الحاجة، مشيرًا إلى أن هنالك أسباب أخرى أقل، كإقامة المسابقات وتنظيم الفعاليات، إلا أن يبقى السبب الأول والأهم هو الحاجة.

ودعا إلى تعلم الإنسان مهارة التوليد للأفكار، مفيدًا أنه يستطيع الإنسان عبر تنمية مهاراته وزيادة معارفه وارتفاع وعيه وإدراكه، إضافة إلى شعوره بالحاجة وأن هنالك ما ينقصه، يستطيع تعلم المهارات النظرية، التي يميل نحوها ويشعر بقدرته على إثرائها.

وذكر بأن هذا الأمر لا ينحصر في إنسان دون آخر، وإن كانت النسبة تختلف من شخص لشخص، وقال: ”لكل مجتهد نصيب“، مؤكدا أن اجتهاد الإنسان يقوده ناحية الوصول إلى هدفه، مطالبًا " فلنجتهد، ولنضع نصب أعيننا الهدف الذي نسعى إليه وسنصل حتمًا.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
م ح
[ المريخ ]: 6 / 7 / 2017م - 1:18 م
جميل