آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 1:36 م

ثقافة الكلمة

الخطاب مسؤولية كبرى، والمرء محاسب على الثقافة، التي يبثها في المجتمع، ﴿ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد، الامر الذي يستدعي الاختيار الحسن، في اكتساب الثقافة الذاتية، بما تمثله من عنصر حيوي، في الحصول على المكانة الاجتماعية، ”لا تسأل عن المرء واسأل عن قرينه“، ”مَن أصغى إلى ناطِقٍ؛ فَقَد عَبَدَهُ، فإن كانَ النّاطِقَ عن اللّه‏؛ فقد عَبَدَ اللّه، وإن كانَ النّاطِقَ عن إبليسَ؛ فقد عَبَدَ إبليسَ“.

اكتساب الثقافة النافعة، والنفور عن حملة الكلمة الضارة، امر بالغ الأهمية بالنسبة للمرء، خصوصا وان اعمال العقل في التعاطي، مع مختلف الثقافات السائدة في المجتمع، يسهم في رفض بعض الأفكار السلبية، وغير المسؤولة، والإقبال على الثقافة الإيجابية، القادرة على النهوض بالعقل، وتسهم في الارتقاء بالمجتمع، لاسيما وان التعاطي مع الكلمة السطحية، وذات البعد الضيق يقود الى الهلاك، والخسران في بعض الأحيان، نظرا لتداعياته السلبية على مسيرة المرء، وحركة المجتمع، الامر الذي يتطلب وضع معايير صارمة، في طريقة التعاطي مع أصحاب الكلمة، بما ينسجم مع خواتم العمل، فهناك بعض الثقافات لا تحرك العقل، بقدر ما تعطله عبر ممارسات متعددة.

الكلمة تمثل السفير الدبلوماسي للمرء، الامر الذي يتطلب البحث والحرص، على نوعية الثقافة التي تمثل الرصيد الحقيقي، في المسيرة الحياتية، ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء، فكلما ارتقى المرء في سلم العلم، كلما حظي بمكانة اجتماعية مرموقة، خصوصا وان العلم يمثل الشعلة، التي تضئ المسيرة البشرية على مر العصور، فالمجتمعات غير قادرة على الارتقاء، دون اختيار طريق العلم، وبذل الغالي والنفيس، في سبيل طرد الجهل، والاستنارة بنور العلم، ”العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الانفاق“.

خطورة الكلمة، تكمن في قدرتها على تحريك المياه الراكدة، في بعض العقول الجاهلة، بحيث تسهم توجيهها في اتجاهات خاطئة، سواء من خلال استغلال الجهل، لدى تلك الفئات الاجتماعية، للسيطرة عليها، او من خلال تقديم نصف الحقيقية، او ممارسة الكذب لتحقيق مآرب شتى، الامر الذي يقود بعض الشرائح الاجتماعية الى الهاوية، وإدخالها في مسالك شتى، تقود الى الضياع والحرمان في نهاية المطاف.

امانة الكلمة ضرورة لتوضيح الطريق الصائب، وتجنب الجادة الخاطئة، فالبعض لا يتورع عن تحريف الكلم عن مواضعه، في سبيل إرضاء أصحاب النفوذ، او الحصول على مكاسب انية، الامر الذي يحدث شرخا كبيرا في جدار الحقيقة، وفقدان القيم الأخلاقية الفاضلة، خصوصا وان خيانة الأمانة من الأمور المحرمة، التي يحاربها الإسلام، ويرفضها العقل البشري، فضلا عن الممارسات البشرية العقلانية، ”إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله، وأولئك هم الكاذبون“، ”إن الكذب هو خراب الإيمان“ و”اعتياد الكذب يورث الفقر“.

يكتشف المرء خواء بعض الثقافات، من خلال التحولات الجذرية في التعاطي، مع القضايا الفكرية والاقتصادية، فهذه النوعية من الثقافات تكفر بجميع الأفكار، التي بشرت بها بين ليلة وضحاها، ودون مقدمات تذكر، الامر الذي يعطي دلالة على القواعد الرخوة، التي تقف عليها، فالبعض ينطلق في بث بعض الثقافات من ضغوط سلطوية، او ضغوط اجتماعية، مما يدفعه للانقلاب على أفكاره، بمجرد اختفاء تلك الضغوط، بمعنى اخر، فان غياب حرية التفكير، وتسليم العقل للاخر، يقود الى ادخال المجتمع، في نفق مظلم يصعب الخروج منه.

كاتب صحفي