آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:02 ص

كربلاء

محمد أحمد التاروتي *

”كربلاء“ كلمة ستبقى محفورة في صفحات التاريخ، كبقعة جغرافية سجلت أفظع الجرائم، حيث ارتكبت على ارضها مذبحة، يندى لها جبين البشرية، الامر الذي يفسر الخلود والتوهج الدائم، لفاجعة ألطف التي جرت تفاصيلها، في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، فالمعركة التي نفضت غبارها، مع غروب شمس العاشر من محرم، بقيت أصداها تتردد لتصك إسماع الدنيا، نظرا لهول الجريمة التي كتبت أحداثها، صحراء ألطف.

كما ستبقى كربلاء وصمة عار، على جبين كل من شارك، وساهم في تمرير هذه الفاجعة الأليمة، خصوصا وان المعركة سجلت انعدام المستوى الأخلاقي، لدى الجيش الأموي، اذ لم يكتف بارتكاب القتل الجماعي، للصفوة من ال محمد ﷺ وأصحاب الحسين ، بل اقدم على استخدام أساليب لم تعرفها الاخلاق العربية، سواء في الجاهلية او الإسلام، مما أحدث صدمة قوية في ضمير الإنسانية جمعاء، فالجيش الأموي انتهج أقذر الأساليب في المعركة، فيما تمسك سيد الشهداء بالنبل الرفيعة، وعدم التنازل عن المبادئ، طيلة فترة المعركة، الامر الذي يمثل البون الشاسع، بين فريق الحق وفريق الضلال.

كربلاء ليست مفردة عابرة في التاريخ، فهي رمز الصمود والإباء والرفض للباطل، حيث جسدت معركة ألطف، جميع مبادئ الرسالات السماوية، فكل فصل من فصول عاشوراء، يمثل ملحة في ذاتها، الامر الذي يفسر العطاء الكبير للبشرية، منذ 14 قرنا، فالمعركة الخالدة قادرة على ارواء عطش العقول، وتغذية الفكر على الدوام، بخلاف المعارك العديدة، التي سجلتها البشرية طوال التاريخ القديم، والحديث، وبالتالي فان الحديث عن كربلاء، يمثل النهر المتدفق القادر، على تجديد نفسه على الدوام.

كربلاء الصمود استطاعت مقاومة جميع الهجمات، التي حاولت النيل منها، حيث بذلت الأموال، وسخرت المنابر الإعلامية لطمسها، وإطفاء نورها المشع، اذ سجل التاريخ جهودا كبيرة، لحرف معركة ألطف عن مسارها الصحيح، الا ان الأموال الكبيرة، التي بذلت ذهبت ادراج الرياح، بحيث بقيت كربلاء شامخة، وتتوهج اكثر فاكثر وعاما بعد عام، فالسلطات التي سعت لمحاربة معاني كربلاء، ذهبت الى مزبلة التاريخ، حيث دونت صفحات التاريخ، اعمال تلك السلطات، لتبقى عارا على جبينها، على مر العصور، بينما كربلاء بقيت صفحة بيضاء، كزمر على قدرة الحق على قهر الباطل، مهما تسلح بالقوة المادية، والإمكانيات العديدة سواء الإعلامية او السياسية.

كربلاء ليست ذكرى عابرة، تتجدد سنويا مع اطلالة محرم الحرام، بقدر ما تمثل عشقا أبديا، في قلوب محبي الخير لدى البشرية، فالحركة الإصلاحية التي فجرها أبو الأحرار، تمثل شعلة متقدة، تشع نورا لكل من يحاول تغيير الواقع، وتغليب المبادئ الحقة على الممارسات الباطلة، بمعنى اخر، فان كربلاء ليست احداثا تروى على المنابر، لاجترار العبرة، وإنما مآسي حقيقية تلهم الدروس، والعبر للجميع، فكل إنسان بامكانه اغتراف بعض العبر، وفقا لإمكانياته وقدرته على الاستنباط، خصوصا وان المستوى الثقافي، يمثل المعيار في استلهام الدروس، والعبر، من معركة كربلاء الأليمة.

كربلاء رمز العطاء على الدوام.. انها مدرسة للبشرية جمعاء.

كاتب صحفي