آخر تحديث: 5 / 5 / 2024م - 11:29 ص

استانة.. تقسيم الادوار

محمد أحمد التاروتي *

مفاوضات آستانة القادمة، تختلف عن سابقاتها، كونها تتزامن مع القضاء على ابرز المعاقل الرئيسيّة، لتنظيم داعش في الشرق السوري، فقد افضت المعارك الطاحنة، التي خاضتها قوات سوريا الديمقراطية، عن طرد التنظيم الارهابي من مدينة الرقة، بعد أشهر من القتال الضاري، الامر الذي حرم التنظيم من ابرز المدن يسيطر عليها منذ 4 سنوات، مما ساهم في تقليص نفوذ داعش لمسافات جغرافية قليلة.

كما ان مباحثات آستانة، تتزامن مع التقدم الكبير لدمشق على حساب داعش، في المناطق التي يسيطر عليها، حيث استطاعت دمشق خلال الأسابيع القليلة الماضية، من طرد داعش من مساحات واسعة، اذ بدأت سلسلة هزائم التنظيم، منذ فك الحصار عن مدينة دير الزُّور، مما مهد الطريق للجيش السوري، للانطلاق بقوة، باتجاه مناطق نفوذ داعش، بهدف إنهاء تواجده العسكري، الذي استمر نحو 4 سنوات، اذ أسفرت المعارك الاخيرة عن تطهير مدينة الميادين، التي تعد ابرز معاقل التنظيم، الامر الذي يمهد الطريق امام زحف الجيش السوري، باتجاه اخر معاقل داعش، في مدينة البوكمال المتاخمة لمدينة القائم، على الجانب العراقي، مما يسهم في القضاء على التنظيم، بشكل نهائي.

بالاضافة لذلك، فان جولة آستانة الجديدة، تأتي في التفاهمات الروسية - التركية - الإيرانية، لتوسيع مناطق خفض التصعيد، لتشمل مدينة أدلب الخاضعة، لجبهة النصرة، مما يشكل تحولا جوهريا، في مسار الأزمة السورية المشتعلة، منذ 7 سنوات، فالانخراط التركي في مساعي تحريك المسار السياسي، يأتي على خلفية التطورات السياسية الجارية، في منطقة الشرق الأوسط، مما دفع تركيا لمحاولة مسابقة الزمن، لتكريس حضورها القوي في الطبخة السياسية، لإنهاء الملف السوري، والمستند على قاعدة إبرام اتفاق سياسي، يؤسس لمرحلة جديدة.

الجولة الجديدة لمباحثات استانة، تنطلق وفق معطيات جديدة، وتطورات عسكرية تصب في صالح الحكومة السورية، فالأوراق السياسية التي تمتلكها دمشق حاليا، تفرض على الجميع الاذعان بها، خصوصا وان استعادة مساحات واسعة من الاراضي، التي كانت تحتلها داعش، وعودة سلطة الدولة للعديد من المناطق الخارجة، عن سلطتها في السنوات الماضية، تمثل اوراقا رابحة لدمشق، في المفاوضات السياسية، فيما توجد اختلافات كبيرة، لدى المعارضة بمختلف توجهاتها.

ان الظروف السياسية الحالية مؤاتية، لتحقيق بعض الاختراق، وتقريب وجهات النظر في المواقف المتباعدة، بين النظام والمعارضة ككل من جانب، وبين منصات المعارضة من جانب اخر، لاسيما وان صوت السلاح بدأ يتراجع بشكل واضح في الفترة، نظرا لإدراك الجميع باستحالة الحسم العسكري، وكذلك جراءالضغوط التي تمارسها الاطراف اللاعبة، سواء على النظام او المعارضة، للانخراط بقوة في تفاصيل الحل السياسي، والابتعاد عن التمسك بالمواقف السابقة، نظرا لظهور تطورات سياسية، تفرض على الجميع التعامل بواقعية.

سقف الامال المعقودة على جولة استانة الجديدة، يبقى منخفضا، نظرا لعدم اكتمال الطبخة المرسومة، من الاطراف اللاعبة في الأزمة السورية، فالجميع يحاول تحسين مواقعه، على حساب داعش، الذي يواجه هزيمة كبرى، في العراق وسوريا.

كاتب صحفي