آخر تحديث: 5 / 5 / 2024م - 6:10 م

ثقافة الفرح

محمد أحمد التاروتي *

إشاعة الفرح امر محبب في البيئة الاجتماعية، باعتباره طريق لطرد أسباب الحزن والكآبة، التي يحاول البعض تكريسها في النفوس، سواء لوجود أمراض نفسية، او لأغراض مختلفة، لذا فان البعض يحارب مختلف انواع الفرح، فتارة بشعارات دينية، واخرى بمبررات اجتماعية، وثالثة لمحاربة الغزو الثقافي.

ان المرء بطبعه، يميل الى إشاعة الفرح، نظرا بانعكاساته على حيوية المجتمع، خصوصا وان سيطرة الحزن يمثل حالة شاذة، وغير طبيعية على الاطلاق، لذا فان الدعوات الكثيرة الساعية، لمحاربة مختلف أشكال الفرح والسرور، لا تجد آذانا صاغية، او احيانا تلقى استهجانا كبيرا، من لدن شرائح اجتماعية مختلفة، فالبعض يحترق قلبه لرؤية السعادة، والسرور في العيون، اذ يحاول استبدالها بالكآبة والوجوم على الوجوه، ”لا يرحم ولا يخلي رحمة الله تنزل“.

الضوابط الشرعية، ضرورة في وضع ميزان لنشر الفرح في المجتمع، فهناك خطوط حمراء لا ينبغي تجاوزها على الاطلاق، خصوصا وان الشرائع السماوية وضعت حدودا، لمسار الفرح في البيئة الاجتماعية، وبالتالي فان اختراق تلك الخطوط الحمراء، يخرج الفرح المنضبط عن مساره المعروف، مما يوجد ظاهرة سلبية، وغير مقبولة على الاطلاق، بمعنى اخر، فان ميزان الحرية الممنوحة للإنسان، لإظهار الفرح ليست مطلقة، وإنما تؤطر ضمن مسارات خاصة، بهدف خلق حالة من الانضباط، في التعبير عن الفرح في النفوس، ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ.

الوصاية على المجتمع، تمثل معضلة كبرى في خلق تيار رافض، لكافة المساعي الداعية، للقضاء على ثقافة الفرح، خصوصا وان القدرة على ممارسة شتى انواع السلطة على المجتمع ليست دائمة، فضلا عن كونها ليست مقبولة في اغلب الأحيان، لاسيما وان اختلاف الثقافات، وتباين الرؤيا بين الأجيال، تشكل احد الملامح الرئيسيّة، في ارتفاع صوت الرفض، ”لا تقسروا اولادكم على أدابكم فانهم خلقوا لزمان غير زمانكم“، بمعنى اخر، فان محاولة خلق مسار، لا يضع في الاعتبار التطور الزمني، يسهم في اثارة إشكالات عديدة، مما ينعكس على صورة خروج الأجيال الصاعدة عن السيطرة، وبالتالي يصبحوا لقمة سائغة في أيدي الاخرين، تتحكم في عقولها وفقا لمصالحها، وأغراض الثقافية.

إيجاد حالة من التوازن في المجتمع، مدخل أساسي في إغلاق الباب امام دعوات التشدد، لرفض الفرح في المجتمع، فكل دعوة تحمل في طياتها غلوا كبيرا، تجد ردود افعال شديدة من الطرف الاخر، بينما تساهم سياسة المرونة في امتصاص حالات الغصب، لاسيما اذا عرفنا ان الفرح في ذاته لا يمثل خروجا عن الإطار الشرعي، الامر الذي يفسر التسامح في إظهار الفرح في الكثير من المناسبات.

يمكن تلمس الغلو في معاداة الفرح، في ممارسات حركة طالبان إبان حكمها على أفغانستان وكذلك في تشريعات داعش في العراق وسوريا، حينما بسطت نفوذها على مساحات واسعة، من البلدين خلال الأعوام الأربعة الماضية.

كاتب صحفي