آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

اللجنة العليا لمكافحة الفساد والدفاع عن 800 مليار ريال

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الإلكترونية

من أين أتت ال 800 مليار ريال؟ بينت دراسة للبنك الدولي أن متوسط دخل الدول المبتلاة باستشراء الفساد يقل بنحو الثلث مقارنةً بالبلدان التي نجحت في محاصرة الفساد. والمبلغ المذكور يمثل ثلث ناتجنا المحلي الاجمالي.

يُمثل الاعلان عن إنشاء اللجنة العليا لمكافحة الفساد خطوة مفصلية، فللفساد تأثير مسيء للاقتصاد، بما في ذلك إجهاض قوانين الاقتصاد الطبيعية من تأدية وظيفتها بحريةٍ وكفاءة. ولابد من التنويه أن الاعلان كان مُلفتاً من حيث:

✓ الاعلان والتحرك نحو التنفيذ، فالأداة النظامية لإنشاء اللجنة هي أمر ملكي، وهي أعلى أداة.

✓ تشكيلها ورئاسة ولي العهد لها، وعضويةً رؤساء الأجهزة التنفيذية المعنية بإحقاق العدل والحفاظ على المال العام والأمن الوطني، إذ أن أعتى المضار التي يلحقها الفساد تتجسد في إضاعة الحقوق؛ وأهم هذه الحقوق هي الحقوق العامة، وحقوق الضعفاء من فقراء ومتدني الدخل، فهم الأحوج لمعطيات التنمية وللخدمات الحكومية.

✓ المهام والصلاحيات الواسعة، بما يمكنها من تنفيذ التكليف المناط بها من الملك يرعاه الله.

فهل مكافحة الفساد أولوية، تتقدم عما سواها من القضايا؟ وإن كانت أولوية، فهل مكافحة الفساد مطلبٌ لمؤسسة الحُكم أم هو مطلبٌ شعبي؟

لن أحدثكم عن تقرير ”الشفافية الدولية“ أو الدراسات الخارجية، فالشأن سعودي أولاً، بل سأذكركم بدراسة سعودية منهجية رائدة، كانت الأكثر اكتمالاً حين نشرها، ففي ديسمبر 2013. أي قبل 4 سنوات، عقد منتدى الرياض الاقتصادي دورته السادسة، وناقش قضية القضايا، وهي الفساد من خلال دراسة أعدت من قبل فريق من الخبراء المحليين بقيادة الدكتور يحيى بن عبدالله الصمعان، في تلك الدراسة كل ما يحتاج أي شخص معرفته عن الفساد لدينا.

أعود لقضية الفساد لأقول ما هو معروف ٌبداهةً، بأن الشرط اللازم للبدء في اقتلاع الفساد وتدمير مكامنه يتجسد في تمكين الشفافية والافصاح، فبدون الافصاح والشفافية تتوافر عتمة تعشعش في كنفها بيئة حاضنة للفساد، بمعنى أن توفير أعلى درجات الافصاح والشفافية يُفسد على المُفسدين مساعيهم، فتصبح احتمالات تحقق مساعيهم أقل، وتغدو التكلفة عليهم أعلى، وتنفيذ مساعيهم أكثر تعقيداً، ولهذا السبب تحديداً أصبح مؤشر الشفافية والافصاح هو مقلوب مؤشر الفساد، أي أنه كلما زادت الشفافية انحسر الفساد والعكس بالعكس، فالفساد يتلاشى في بيئة تتحلى بدرجة عالية من الشفافية.

وهكذا، فجهد مكافحة الفساد الذي كُتب ”ليلة الأحد“ المنصرمة أهم فصوله على الاطلاق في بلادنا، عندما اتخذ خادم الحرمين الشريفين اجراءات غير مسبوقة لقطع دابر الفساد، يخوض حرباً دفاعاً عن التنمية الاجتماعية حتى لا تتعطل، والازدهار الاقتصادي حتى لا ينزوي. فكيف؟ وما العلاقة؟

اقتصادياً، يجد الفساد البيئة في الأسواق المُحتكرة أو تلك التي يسود فيها احتكار القلة. وهذا شرط متحقق عندنا من حيث تكدس الأصول والفرص عند قلةٍ قليلةٍ، ومن هنا تأتي أهمية: حماية التوزيع العادل للفرص حتى لا يستأثر المتنفذون والأثرياء بها فيُحبط الرياديون كمداً وصبراً، وحماية وتعزيز المنافسة حتى لا تصبح الثروات مكنوزة في يد شريحة ضيقة تتوارثها، وفتح الأسواق كأداة ناجعة لمحاصرة الفساد ولمكافحة الفقر ولتوسيع الطبقة الوسطى في المملكة، وبالتالي انتشار البحبوحة وتحسن جودة الحياة.

ما صلة الفساد بكل هذا؟ إن استشراء الفساد - الذي تسعى اللجنة العليا لقطع دابره - يجلب للمجتمع استخداماً غير كفؤ للموارد، وتوزيعاً غير عادلٍ للفرص، وضعفاً تقنياً نتيجة لضياع حقوق الملكية الفكرية، وازدهاراً للاقتصاد تحت - أرضي أو ما يُعرف باقتصاد الظل مثل التستر والممارسات الاقتصادية غير النظامية، وتراجع مؤشرات التنمية مثل الخدمات الصحية والتعليم. فالفساد يُفسدّ التنمية، فيعاني المجتمع نتيجة لذلك نقصاً وضعفاً في التعليم والصحة والخدمات البلدية، بما يُخفض مستوى المعيشة، فتكابد شرائح واسعة من سكان البلد جراء استشراء الفساد، وتَسعد شريحة ضيقة من المتنفذين المتربحين من وظائفهم. ما الحل؟ لا تكفي الشفافية والضوابط الادارية لكبح الفساد، ولذا استشرى. ما تغيّر الآن بروز الضلع الناقص، وهو ”المساءلة“ الناجزة.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى