آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:20 م

ثقافة السب

محمد أحمد التاروتي *

الاخلاق بمثابة تأشيرة العبور الى قلوب الاخرين، واكتساب الاحترام من الاطراف الاخرى، فالمرء بما يحمل من قيم اخلاقية، وليس بما يمتلك من ارصدة بنكية، «يا كميل بن زياد، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الانفاق»، بمعنى اخر، فان المرء الذي يتحرك للسيطرة على قلوب الاخرين، يجدر به توفير العناصر الاساسية، للتأثير على الاخرين.

انعدام القيم الاخلاقية، احد العوامل الاساسية للنفور الاخرين، فالناس على اختلاف المستويات الثقافية، تجتذب بشكل طوعي لصاحب الخلق العالمية، ﴿انك لعلى خلق عظيم، فيما لا يجد فاقد الاخلاق بيئة جاذبة في المجتمع، فمهما حاول لاستقطاب الاخرين عبر تقديم المغريات، وبذل الاموال، فان النتائج في الغالب تكون مخيبة للامال، لاسيما وان محاولة الاقتراب من فاقدي الاخلاق، تخلق مشاكل عديدة على الصعيد الشخصي، والاجتماعي، الامر الذي يفسر النفور التام من اصحاب الخلق السيئة.

ولعل السباب وإطلاق العنان، الى اللسان في النيل من الاخرين، تمثل ابرز ممارسات الاخلاق السيئة، فاللجوء الى السباب مرتبط بعوامل عديدة، بعضها منطلقة من دواعي شخصية، او نتيجة التربية الاسرية الفاشلة، فيما تكون في احيان اخرى ذات علاقة بالبيئة الاجتماعية، لاسيما وان الانسان يؤثر ويتأثر بالمحيط الاجتماعي، فإذا نشأ المرء في بيئة صالحة، فانها تنعكس على الممارسات الاخلاقية، مما يجعله شخصا صالحا، وصاحب خلق فاضلة، بخلاف المرء الذي يترعرع في مجتمع فاسد اخلاقيا، فانه يكتسب جزء من تلك الصفات المنتشرة، في البيئة الاجتماعية الفاسدة.

انتشار ثقافة السب في المجتمع، تعكس المستوى الخلقي الذي يعيشه، لذا فان المفردات المتداولة في المجتمعات، تشكل مجموعة القيم الاخلاقية التي تسوده، فهناك بعض المجتمعات تمتلك كما وافرا من الكلمات النابية، التي تتردد على الالسن على مدار الساعة، الامر الذي يسهم في تكريسها في وجدان شريحة واسعة الناس، وبالتالي فانها تنعكس على لغة التخاطب اليومي، باعتبارها جزء من الثقافة الاجتماعية السائدة، بمعنى اخر، فان عملية تكريس ثقافة السب، مرتبطة بسيطرة شرائح اجتماعية، تمتلك القدرة على توجيه المفردات السيئة، لتكون جزء من الحياة اليومية.

استخدام لغة السباب، سواء في الخلافات الشخصية، او الاختلافات الفكرية، تبرز الوجه الحقيقي للطرف الاخر، لذا فان الحفاظ على لغة الحوار ضمن الحدود الاخلاقية، يشكل عنصرا أساسيا للترفع عن الانحطاط، لمستوى اخلاقيات الطرف المقابل، خصوصا وان التعامل بالمثل يفقد البعض القيمة المعنوية، ويحط من قدره في عيون الاخر، وبالتالي فان التجاهل وعدم الانسياق، وراء موجه السباب يضع حدا لتجاوز الطرف الاخر، ويسقطه في عيون الجميع، «اني اكره لكم ان تكونوا سبابين»، خصوصا وان السباب يظهر انعدام الحجة لدى الطرف الاخر، مما يدفع لاستخدام قاموس المفردات البذيئة، لتغطية عجزه امام، قوة بيان وحجة الطرف المقابل.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
هلال الوحيد
[ القطيف ]: 16 / 12 / 2017م - 8:57 م
ربما من الأفضل استعمال كلمة غير كلمة ثقافة في محل السلب. في نظري انها موجبة كل الأوقات والسب ليست كذلك فلا يجتمعان. لماذا لا نستخدم عادة أو بذاءة السب أو ما شاكلها؟ كل الخير لك
2
ابو زينب
[ القديح ]: 20 / 12 / 2017م - 7:27 م
يقول الله سبحانه و تعالى في كتابه الكريم : "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم" ...

فالله سبحانه و تعالى يعلمنا في هذه الآية أن الجهر "بالسوء من القول" هو حق لكل مظلوم في قبال من ظلمه ؛ فيا ترى أي شيء هو "السوء من القول"؟! ألا يدخل السب و الشتم في "السوء من القول" ؟!

السب و الشتم هما مجرد أداتان يستخدمهما الإنسان في الوقت المناسب و في قبال الشخص "المناسب" لا أكثر و لا أقل ؛ إلا ترى أننا نشتم و نسب أعداء الإنسانية لا شعوريا حينما نستحضر جرائمهم في حق ضحاياهم حتى و لو كان بيننا و بينهم مئات السنوات ...

موفقين لكل خير ...
كاتب صحفي