آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 6:21 م

ثقافة العلاقات

محمد أحمد التاروتي *

يمتاز الانسان بقدرته على بناء شبكة علاقات، داخل المجتمع القريب، وقد تمتد لتشمل المجتمعات البشرية البعيدة، عن النطاق الجغرافي، الامر الذي يمكنه من الاستفادة من تلك العلاقات، في توسيع نفوذه الاجتماعي، والاقتصادي والسياسي، لاسيما وان العلاقات الوطيدة، تمثل المفتاح لفتح الأبواب المغلقة، وتجاوز الكثير من العراقيل، او الحواجز التي تعترض الطريق، في سبيل تحقيق الطموحات الذاتية، وبالتالي فان البعض يتحرك لبناء شبكة واسعة، من العلاقات للاستفادة، منها في مختلف الأوقات، سواء في اوقات الرخاء او زمن الشدة.

العلاقات الانسانية، تختلف باختلاف الاهداف المرسومة، فالبعض يرسم شبكات تكتيكية، للوصول الى غايات محددة، بحيث تنتهي بانتهاء تلك الاهداف المؤقتة، خصوصا وان كافة الاطراف، تدرك نوعية هذه العلاقات المصلحية، الامر الذي يفسر اصرار احد الاطراف، او جميعها على الاستفادة من العلاقة، من خلال ”قبض الثمن“، مقابل تسليك الطريق امام احد الاطراف، انطلاقا من قاعدة «لا يخدم بخيل»، نظرا لإدراك الجميع باهمية تحمل التكلفة المترتبة، على العلاقة التكتيكية العابرة، فهناك مصالح آنية تجمع أطراف متباعدة، للوصول الى أهداف معنية، مما يفرض عليها إبرام تحالف مؤقت، للعمل بشكل جماعي، لإزالة جميع المعوقات، وبالتالي فان تحقيق تلك الاهداف، بمثابة اعلان رسمي، بانهاء تلك العلاقة المؤقتة.

فيما توجد علاقات مبدئية، قادرة على الصمود في جميع التيارات، وتتجاوز المصالح الضيقة، فهذه النوعية من العلاقات، تمثل انموذجا على قدرة البشر، في تغليب المبادئ، على المصالح الشخصية، خصوصا وان الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، تشكل عناصر ضاغطة في اجبار البعض، على اتخاذ مسارات مغايرة عن المبادئ، التي يحملها، ويسعى لنشرها في البيئة الاجتماعية، وبالتالي فان صمود العلاقات المبدئية، تبقى علامة فارقة وسط تجاذب الاطماع الذاتية، التي تسهم في انفراط عقد العلاقات الانسانية في الغالب.

تماسك العلاقات المبدئية، مرتبط بوجود عامل مشترك، وجامع بين مختلف الاطراف، اذ لا يمكن للعلاقات الصمود دون وجود أفكار رابطة، بين مختلف العناصر، فالتنافر وغياب الانسجام، يعجل من انهاء تلك العلاقات، بمعنى اخر، فان عملية بناء علاقات قوية، تتطلب وجود قاعدة صلبة من القناعات الخاصة، بين الأفراد، اذ بمجرد اختلاف القناعات بين الأفراد، يبدأ الانهيار التدريجي لتلك العلاقات، الامر الذي يمهد الطريق لاصدار شهادة الوفاة، حيث تختلف الفترة الزمنية، في انهاء العلاقات، تبعا لحجم الخلافات، او الاختلافات القائمة، خصوصا وان البعض يحاول اخفاء تلك الخلافات في البداية، على أمل ترميم جدار تلك العلاقات، بيد ان عمليات الترميم او التجميل، لا تصمد كثيرا، حيث تتكشف الأمور، وتظهر للعلن، سواء بواسطة اطرافها، او عبر أطراف اخرى.

تبقى العلاقات الانسانية محور أساسي، في بناء المجتمعات البشرية، حيث تشكل مدخلا في اكتشاف، معادن الاخرين، اذ يتحرك البعض باتجاه العلاقات المصلحية، في سبيل الوصول، وارضاء الاطماع الذاتية، بينما يحرص البعض الاخر على اختيار العلاقات، وفقا للمبادئ التي يحملها، الامر الذي يسهم في اطالة أمدها لفترات طويلة.

كاتب صحفي