آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

شرح مناجاة الشاكين «2»

النفس الأمارة بالسوء:

هل يمكن لنفس الإنسان أن تغشه أو تضله عن طريق الصواب وسلامة النفس والحرص على جلب كل منفعة ودفع أسباب الضرر والأذى بكل وسيلة ممكنة، أم أن هناك من العوامل ما يعمي الإنسان عن معرفة طريق الصواب وسبيل الرشاد على الرغم من إرادته الواعية، فيرديه في طريق الهلاك والخطر؟

بصيرة الإنسان في اتجاهها نحو بوصلة الفكر الواعي، والذي يراعي فيه المرء دراسة خطواته وكلماته والعواقب المترتبة عليها، تحتاج منه إلى تجنب العوامل المبلدة للرشد والجالبة للغفلة والضياع، ومنها ترك اتباع الأهواء وهتاف النزوات والتي تسقط المرء في وحل الخطايا والمعايب والقبائح الأخلاقية، وتعطل إعمال عقله وتأخذه بعيدا عن الحذر وترقب النتائج بعين المحاسبة، ويختفي عنه في انزلاقه إلى مهوى السقوط أي عامل يسعفه أو يوقف انحداره وتهاويه وتخبطه، فلا عقل واعي يسترشد به وينير له دربه في وسط ظلام وعواصف الشهوات المغرية، فمن غيب فكره عن النظر في آثار خطاه وسلب روحه قرار الممانعة والتحصن من سهام الاغترار، ويحسب في لحظة طيش أنه بعيد عن عين المحاسبة فخاض في وحل السوء والفعل المنكر دون أن يسمع صوت الإرعواء والنهي عن تماديه، وأنى له والتذكرة والتمنع وقد سلب منه الرشد والاعتبار؟!

ولن ينكشف له هذا الواقع الزائف الذي ترشنق فيه واستهوته النزوات واللذات المحرمة إلا في وقت افتقد فيه ممانعة الورع والخشية من الله تعالى؛ ليجلس بعدها على مقعد الندم والحسرة ولكن بعدما تشكلت قوة تهيمن على إرادته فتسلبه القرار، إنه أنس النفس المتمردة بالعالم الكاذب من الشهوات، وقد قيدتها أغلال الأهواء وأضحت ذليلة منكسرة قد انغمست في وحل السيئات، فمن ينقذه وينتشله حينئذ من براثن تلك النفس المنقادة للشهوة والآمرة له بالاستمرار في طريق السوء ومقارفة المعاصي؟!

إنه صوت الضمير الحي واليقظة الروحية التي تنساب إليه في لحظات الأجواء الروحية والوقوف بين يدي الله تعالى، فبعد تغييب العقل ودخوله في سبات هاهو يستعيد زمام المبادرة ويعاود تسيير خطى صاحبه وفق تحري الصواب والنظر في عواقب الأمور، فيجنبه كلما يلحق به العيب والسوء، ويخلصه من القبضة الحديدية لأهواء النفس واستجابتها السريعة للشهوات ويتحصن من تسويلاتها.

وتقوى قدرة النفس اللوامة المؤنبة له على كل تقصير أو خطيئة تصدر منه في لحظة عفلة، ويحيا في فضاء المضامين والغايات من العبادة الواعية، فتطمئن نفسه لذكر الله تعالى وتأنس به، ويجاهد نفسه فتمانع الوقوع في المعصية، وإن أخطأ يوما أنبته نفسه ودعته إلى الرجوع إلى الله والندم على ما صنع، ويعقد العزم على محافة التقوى والاستقامة، فالحياة ميدان صراع بين النفس والأهواء والشهوات الآثمة، فتخوض معركة تنازع فيها تزيين المعصية أو ترضخ لها صاغرة ذليلة بعد أن افتقدت كل مقومات الممانعة في عالم المغريات.

الحياء من الله تعالى والخوف من عقابه واستحضار مشاهد وأهوال يوم القيامة، والرقابة ومحاسبة النفس بنحو دائم هو ما يقيه من تنكب الطريق القويم.