آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 4:16 م

ثقافة التملق

محمد أحمد التاروتي *

التملق مرض اجتماعي، منتشر في اغلب المجتمعات البشرية، فهو لا يختص بمجتمع دون اخر، خصوصا وان الأغراض الشخصية، ومحاولة التقرب بطريقة فجة، تسهم في استمراء البعض اسلوب الإطراء غير المبرر، في محاولة للحصول على المكانة الخاصة والرضا، من اصحاب النفوذ، او ارباب السطوة المالية، فهذه النوعية من البشر تدرك ان اساليبها مكشوفة للطرف الاخر، ولكنها لا تجد بأسا في الاستمرار، دون خجل او حفظا للكرامة، لاسيما وان التملق يدخل في بازار البيع والشراء.

التملق ليست مرتبطا بشريحة اجتماعية، او صنفا معينا، فإذا السلوك يظهر لدى البسطاء من المجتمع، او الشخصيات المرموقة، خصوصا وان الدوافع في الغالب تكون مشتركة، في إظهار هذا السلوك الاخلاقي المفروض، فتارة يكون عبر إطلاق مختلف المسميات، وتارة عبر ممارسات عملية مفضوحة، ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ، ”إذا رأيت العلماء على أبواب الملوك فقل بئس الملوك وبئس العلماء، وإذا رأيت الملوك على أبواب العلماء فقل نعم الملوك ونعم العلماء“.

خطورة التملق تكمن في اضفاء القداسة، وعلو الشأن على شخصيات، لا تملك من المقومات، والقدرات اللازمة، باحتلال مواقع متقدمة، الامر الذي ينعكس سلبا على جميع مناحي الحياة، نظرا لاتخاذ قرارات غير حكيمة، واحيانا متهورة، مما يلحق الاذى بالعديد من الشرائح الاجتماعية، جراء تقدم شخصيات تفتقر للقدرة، على اتخاذ المسلك السليم، سواء على الصعيد الاجتماعي، او الاقتصادي، او السياسي.

تجذر ثقافة التملق كسلوك اجتماعي، يحمل في طياتها اثارا اجتماعية، ونفسية، على بنية المجتمع، الامر الذي يحول دون وصول الكفاءات، الى المواقع التي تستحقها، بسبب وجود شخصيات، تعمل ليل نهار على تبيض صفحة اشخاص، فاقدة للقدرات، والإمكانيات اللازمة لقيادة المجتمع.

التملق ممارسة مرتبطة بسلوك اخلاقي غير منضبط، حيث يلجأ البعض لمثل هذه السلوكيات الخاطئة، كنوع من درء الخطر، نظرا لسطوة الطرف المقابل، مما يدفعه للإقدام على ممارسات سلوكية غير متوازن، فهي تحط من قدره في المجتمع، وتقلل من مكانته لدى الطرف المقابل، لاسيما وان الكل يدرك عدم مصداقية الألقاب، والصفات، التي تطلق على الطرف المقابل، وبالتالي، فان التملق قد يكون ممارسة، ليست اختيارية، ولكنها ليست محمودة، في جميع الظروف والأوقات.

فيما يعمد البعض على انتهاج التملق، كسلوك طوعي واختياري، فهذه النوعية من البشر تتحرك وفق اجندة خاصة، اذ تقوم باستخدام التملق، كطريقة للوصول الى الاهداف الشخصية، ومحاولة احتلال مناصب عليا، اذ تتحرك للتقرب من اصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي، لتحقيق مآرب ذاتية، يصعب الوصول اليها دون إظهار مختلف انواع التذلل، والخنوع للطرف الاخر، بمعنى اخر، فان انتشار التملق في المجتمع مرتبط، بوجود نوازع شخصية، او تسلط شخصيات ذات قوة، مما يستدعي اللجوء سلوك التملق، لتفادي التعرض للخطر، او السعي للنيل بعض المكاسب الشخصية.

كاتب صحفي