آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 8:34 م

المدنيون.. وبازار السياسة

محمد أحمد التاروتي *

تتحرك الدول الكبرى لادخال حماية المدنيين، في الحروب المشتعلة على المستوى العالمي، ضمن مناكفات لعبة السياسة، فهو لا تتدخر وسيلة في استغلال المدنيين، في سبيل تسجيل مواقف سياسية، على الطرف المنافس، لاسيما وان الخلافات العميقة بين الدول الكبرى، تفرض استخدام جميع الملفات، ضمن لعبة المساومات، والاستغلال البشع، بمعنى اخر، فان العواصم الفاعلة في الأزمات الدولية، تعمل جاهدة على حشر الطرف المنافس في زاوية ضيقة، عبر استخدام العامل الإنساني، في تأليب الرأي العام العالمي.

الأزمات العالمية والحروب الطاحنة، تمثل مادة دسمة، لاتخاذها وسيلة للضغط على بعض الاطراف، لانتزاع بعض المواقف، والحصول على تنازلات، وبالتالي تحقيق مكاسب سياسية، فالدول المؤثرة واللاعبة، تقتنص الفرص لاثارة الملف الإنساني، فتارة تتحرك لحماية المدنيين من الموت الجماعي، وتارة اخرى تحاول استغلال المنابر الاممية، لاصدار قرارات منددة بسياسة الإبادة الجماعية، ومرة ثالثة تحرك الماكنة الإعلامية لتسليط الاضواء، على معاناة النساء والأطفال، وغيرها من الأساليب المختلفة، للضغط على الطرف المخالف.

الدول الكبرى لا تجد حرجا، في اتخاذ مواقف متناقضة تماما، فيما يتعلق بمبدأ حماية المدنيين، في النزاعات العالمية، فهي تقف ضد الوحشية، والاستخدام المفرط للسلاح، من قبل النظام تجاه شعبه الاعزل، كما انها تتفهم سقوط بعض الأبرياء في الصراعات، نظرا لوقوفها مع الحكومة في مواجهة العنف، والارهاب الذي يضرب البلاد، بمعنى اخر، فان المبدأ الاخلاقي الذي يتجلى في بعض النزاعات، يتحول الى مناصرة قوية لاستخدام الطائرات، في قصف المنازل على رؤوس اهلها، باعتبارها نوع من الدفاع عن النفس، وحق مشروع في للقضاء بؤر الارهاب.

صراع النفوذ السياسي، والاقتصادي، والعسكري، يدفع باتجاه استخدام حماية المدنيين، سلعة في سوق السياسة، فالضمير الحي لدى ساسة تلك الدول، يصحو بين ليلة وضحاها، عبر التنديد باستخدام المدنيين كدروع بشرية، واستمرار الحصار الخانق، ومنع دخول المساعدات الانسانية، في المتاطق المنكوبة، مما يستدعي التحرك لإنقاذ آلاف الأبرياء من الموت، والتعرض للقصف بواسطة الطائرات، والقذائف المدمرة، بمعنى اخر، فان اشلاء النساء والأطفال، تصبح سلعة في سوق السياسة، بحيث تتقاذفها الاهواء والمصالح، بين الدول الكبرى، فالدماء ليست محركا في بعض الأحيان، لاتخاذ مواقف لإيقاف عمليات الإبادة الجماعية، بقدرها يحرك الخوف من فقدان النفوذ، في تلك الساحات الدولية.

التوقف عن الاستغلال السيئ، لملف حماية المدنيين في النزاعات، والحروب الدائرة في العالم، غير وارد، نظرا لتشابك المصالح بين الدول الداعمة، لتلك الانظمة والدول المستفيدة، من سقوط الأبرياء في الحروب، خصوصا وان الحديث عن صحوة الضمير في عالم السياسة، يبقى سرابا بعيد المنال، مما يعنى، فان المناكفات السياسية، وتباعد المواقف تجاه مختلف القضايا، تمثل الوقود الذي يغذي استمرارية، اثارة الملف الإنساني في المحافل الدولية، الامر الذي يفسر اختفاء هذا الملف، بشأن بعض الصراعات، جراء تتطابق المواقف بين الدول الكبرى، مما يستدعي وضع الضمير الإنساني في الثلاجة، ولَبْس نظارة سوداء، لتحاشي رؤية دماء الأبرياء، التي تسيل في الشوارع، وتحت الانقاض.

كاتب صحفي