آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

ثقافة التراث

محمد أحمد التاروتي *

النظرة التراث تختلف باختلاف المتعقدات العقدية والقناعات الفكرية والثقافية الاجتماعية السائدة، الامر الذي يفسر اهتمام بعض المجتمعات بالتراث باعتباره جزء لا يتجزأ من المسيرة التاريخية وانعكاس حقيقي للمستوى الثقافي لمختلف الحقب الزمنية، مما يستدعي احتضان التراث وعدم التفريط، سواء عبر دراسة كافة أشكال الاستكشافات الاثرية او وضعها في المكانة التي تستحقها والوقوف بقوة امام الدعوات الداعية لإهمالها وعدم الاستفادة منها.

في المقابل تسعى بعض المجتمعات للتبرئ من التراث وعدم الاهتمام به، باعتباره تاريخ انتهى وغير ذا جدوى على الإطلاق، وبالتالي فان الدعوة للاهتمام بالتراث غير مقبول ويمثل نوعا من التمسك بالماضي الذي لا يقدم ولا يؤخر، بمعنى اخر، فان البحث عن الماضي يؤثر على المسيرة التقدمية ويعرقل الجهود الساعية لمواكبة التطور والتحرك باتجاه المعاصرة والاستفادة من القفزات العلمية والتكنولوجية الهائلة على المستوى العالمي، الامر الذي يتطلب عدم الاستجابة الدعوات المتخلفة الساعية لإيقاف عجلة التقدم عبر التمسك بالماضي بمبررات الاستفادة من التراث التاريخي بشتى اشكاله.

النخب الثقافية تلعب دورا محوريا في تحديد اتجاهات التعاطي مع التراث، نظرا لما تمتلكه من تأثير مادي ومعنوي في توجيه الرأي العام، فإذا كانت النخب الثقافية تتعامل بجفاء مع التراث والنظر اليه كنوع من التمسك بالماضي، والترف غير المبرر، فإنها تعمل جاهدة على احداث تحولات في نظرة المجتمع وفقا لقناعاته الفكرية، مما يدفعها لتكثيف جهودها نحو اعادة بوصلة المسيرة باتجاه الامام وترك الدعوات المنادية بالالتفاف للخلف، فيما تكون النظرة ايجابية ومتفاعلة من البيئة الاجتماعية مع وجود نخب ثقافية تؤمن باهمية التراث في بناء المسيرة التنموية والفكرية، خصوصا وان التراث يمثل مسيرة إنسانية قادرة على رفد المجتمع بالعطاء والتعرف على المستوى الثقافي للحقب المتعاقبة، الامر الذي ينعكس على الثقافة المجتمعية تجاه التراث، مما يؤدي للاحتفاء بالتراث بصور مختلفة ومتعددة تبرز على شكل متاحف او غيرها من الأشكال الاخرى.

التعاطي بنوع من التوازن والابتعاد عن التطرّف والتعسف غير المبرر، يشكل مدخلا للاستفادة من التراث التاريخي والثقافي للأمم، فالحضارات لا يمكنها التخلي عن تاريخها سواء كان مشرقا او مأسويا، باعتباره جزء يصعب مسحة من ذاكرة الزمن، الامر الذي يستدعي توظيف التراث بما يحمل من حوادث سعيدة او حزينة فيما يخدم المسيرة التطويرية والابتعاد عن الدعوات المتطرفة وغير المتوازنة، فالمجتمعات الساعية لدفن التراث تمسح حقبا تاريخية طويلة من المسيرة الانسانية، لاسيما وان التراث يعكس مستوى التطور البشرى خلال الفترات الزمنية المتباعدة.

بكلمة فان إيجاد بيئة جاذبة للتراث وطاردة للثقافة الداعية لتدمير التراث، خصوصا وان هذه النوعية من الدعوات تمثل اثارا تدميرية وكارثية غير خافية على الجميع، الامر الذي يستدعي نشر الثقافة الإيجابية والمتوازنة، نظرا لما تمثله من انعكاسات في حفظ الأثر التاريخي والوقوف امام التفريط في الذاكرة الانسانية للحضارات على مر العصور.

كاتب صحفي