آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 2:29 م

الشيخ اليوسف: التسامح الفكري ضرورة وحاجة مجتمعية

أرشيفية
جهات الإخبارية

أكد الشيخ عبدالله اليوسف أن التسامح الفكري ضرورة وحاجة مجتمعية، وذلك لأنه من الطبيعي أن تتباين الآراء الفكرية والثقافية المطروحة في المجتمع، وتتعدد النظريات الفكرية.

وأشار إلى اختلاف الاجتهادات حول مختلف المسائل والقضايا، لكن المهم أن يكون ذلك بصورة علمية، وأن يطعم الاختلاف بتسامح فكري بعيداً عن لغة الإقصاء أو الإلغاء أو التهميش، مما يساهم في تطوير الأفكار ومراجعتها وفحصها والتأكد من صوابيتها.

وقال في كلمة ألقاها بالحفل الذي أقيم بجامع الرسول الأعظم بصفوى بمناسبة ذكرى ميلاد الإمام علي بن أبي طالب أن الإمام علياً أرسى قيمة التسامح من خلال تعامله الإنساني الرفيع مع خصومه ومناوئيه ومع الذين أساؤوا إليه.

وتابع: لم يعاقب منهم أحداً بل كان يعفو ويصفح عنهم، كما أنه لم يعاقب أحداً لأنه كان يخالفه في الرأي ولم يجبر أحداً حتى يوافقه في آرائه وأفكاره بل كان يحفظ لهم حقوقهم كاملة، ولقد رسخ الإمام علي قيمة التسامح الفكري في تعامله مع معارضيه ومخالفيه.

ومضى يقول: ”بالرغم من أن مناوئيه كفّروه وحرضوا الناس على حكمه، ومع ذلك لم يقاتلهم إلا عندما بدؤوا القتال، وعفى عنهم عندما انتهت المعارك، بل وضمن لهم حرية الرأي والفكر والتعبير عن ذلك“.

وذكر أن الإمام علي قد أصّل بسيرته العملية حق «الرأي الآخر» وحق التعبير عن ذلك الرأي بأي وسيلة مشروعة، فلم يعاقب أحداً لمخالفته له في الرأي، ولم يمنع أحداً من العطاء لأنه لا يتفق معه في موقف أو في فكرة، ولم يبطش بأحد خالفه في الفكر أو المعتقد، بل سمح لكل الآراء أن تعبر عن ذاتها.

وبيّن أن التسامح فضيلة وقيمة مهمة من القيم والفضائل التي حثّ عليها الإسلام، ودعا إلى التحلي بها، وأمر أتباعه بالتخلق بالسماحة والعفو والصفح والرحمة والرأفة والرفق في القول والكلام، وفي التعامل والسلوك.

ولفت إلى إن التسامح يحمل مفهوماً أخلاقياً يدعو إلى العفو والصفح وتقبل الآخر وعدم إلغاء الآخرين رغم اختلاف أفكارهم ومعتقداتهم مع التمسك بثوابت الدين الأساسية.

وأوضح إن التسامح يستعمل بمعنى السهولة في المخالطة والمعاشرة، وهو لين في الطبع، والسهولة واللين تارة تكون بالكلام، وتارة تكون بالسلوك.

وشدد على الحاجة إلى التسامح لأن الناس بطبيعتهم يختلفون في كل شيء، وتتباين وجهات نظرهم في القضايا الدينية والاجتماعية والفكرية والثقافية وغيرها؛ فهم بحاجة إلى التسامح كقيمة أخلاقية وإنسانية، وكحل عقلاني لإيجاد الصيغ المناسبة للتعايش فيما بينهم، واحترام بعضهم للبعض الآخر، بعيداً عن روح التعصب والإقصاء والتشدد.

وأشار إلى أنه يوجد الكثير من النصوص الدينية في الأخلاق الإسلامية التي تشير إلى مفردات التسامح كالعفو والصفح والصبر والمداراة والمجاملة والسماحة والإحسان والرأفة والشفقة، وهذه المفردات الأخلاقية والإنسانية تتقارب في مضمونها مع مصطلح التسامح.

وتابع: ما نقصده من التسامح هو حق الآخر بالاختلاف والتعايش معه، من دون قطيعة أو جفاء أو صِدَام أو عداوة؛ ولا يعني التسامح التنازل عن المعتقدات أو القناعات الفكرية أو المساومة حولها، وإنما يعني التعايش مع الآخر، والتعامل معه بإنسانية وعدالة وإنصاف بغض النظر عن صحة أفكاره وخطئها.

وأكد أنه إذا ساد المجتمع تعصب فكري لرأي واحد، أو وجهة نظر واحدة، أو نظرية واحدة فهذا يؤدي إلى التعصب الممقوت، والتشدد والتطرف، وهو ما يوصل في نهاية الأمر إلى العمى الفكري، فلا يرى رأياً إلا رأيه، ولا فكرة إلا فكرته، ولا اجتهاداً إلا اجتهاده!

وقال: ”يجب علينا كمجتمعات إسلامية تتنوع فيها المذاهب والتيارات والتوجهات والمرجعيات والمدارس الفكرية أن نتعلم من سيرة أمير المؤمنين السماح للآراء المختلفة بالتعبير عن نفسها ووجودها، والابتعاد عن الرأي الواحد، وإقصاء الآخرين حتى نشيع في مجتمعنا روح التسامح الفكري المنشود“.

وأشار إلى قاعدة في الأصول يقرر العلماء فيها ”أنه كل ما ليس قطعياً من الأحكام هو أمر قابل للاجتهاد، وإذا كان قابلاً للاجتهاد فهو قابل للاختلاف، كذلك الأمر في الفكر والثقافة“.

ويرى إن التحلي بأخلاقيات الإسلام وآدابه يساهم كثيراً في تجسير الفجوة بين المختلفين، وتثبيت دعائم التسامح والانفتاح بين أصحاب المذاهب والأديان والطوائف والجماعات والتيارات المختلفة مما ينعكس إيجاباً في بناء مسيرة المجتمع، والارتقاء به نحو سلالم المجد والتقدم والتطور الحضاري المنشود.

واعتبر أن تعددية الآراء والأفكار والاجتهادات في أي حقل من حقول المعرفة إنما يعد ثروة علمية، فالتعددية دليل على وجود عقول كبيرة ومتنوعة في التفكير والمنهج العلمي، وقادرة على العطاء والإنتاج العلمي المتجدد.

وأكد إن وجود وجهات نظر متباينة حول الكثير من المواضيع محور البحث والنقاش على المائدة العلمية شيء منطقي وواقعي، ولكن غير المنطقي هو مطالبة أصحاب الرأي على أن يتفقوا في كل شيء على رأي واحد.

وأضاف: إن الاختلاف القائم على أسس علمية مجردة، رحمة بالأمة وتوسعة عليها، فما دام باب الاجتهاد مفتوحاً ومشروعاً لكل من تتوافر فيه مؤهلات الاجتهاد، وما دام أن الله سبحانه وتعالى قد أعطى كل واحد منا عقلاً كي يفكر به.