آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 9:08 م

الفقر.. العزيمة

محمد أحمد التاروتي *

تظهر الارادة الصلبة في المواقف الصعبة، والمحطات المفصلية، التي تحدد المسار المستقبلي، من خلال التحرك بالإمكانيات المتاحة، لتحويل الواقع البائس الى حياة اكثر اشراقا، فالتسليم بالواقع المعاش يكرس حالة البؤس، فيما الانتفاض الكامل لجميع مفردات ”مد رجلك على قد لحافك“، يسهم في خلق واقع جديد، ومختلف تمام، خصوصا وان الانسان قادر على خلق الظروف المناسبة، لتحويل الفاقة الى حياة كريمة، الامر الذي يفسر خروج شرائح عديدة من دائرة الفقر، الى مجتمع الرفاهية.

الفقر ليس عيبا على الاطلاق، فالانسان بما يمتلكه من قيم، واخلاقيات كريمة، يفرض احترامه على الاخر، بيد ان الاستسلام للبؤس ليس مطلوبا بتاتا، فالمرء بما يمتلك من قدرات وإمكانيات، وإرادة يستطيع الانتقال، من وضع بائس الى الضفة الاخرى، بيد ان العملية لا تتم بشكل عشوائي، او طريقة فوضوية، بمعنى اخر، فان رسم الأحلام الوردية للوصول الى الطبقة المخملية، لا يصنع شيئا على الواقع المعاش، فالتحرك باتجاه تغيير حالة البؤس والفاقة، تتطلب جهودا كبيرة، والكثير من العمل، وكذلك الاختيار المناسب، لاقتناص الفرص المتاحة، فضلا عن التعرف على القنوات القادرة، على تحقيق الاهداف الى حقائق على الارض، خصوصا وان عملية الصعود بحاجة للكثير من التعب، والتحرك بشكل تدريجي، للحصول على النتائج المرجوة، فالصعود الصاروخي، يحمل في طياته الكثير من الاخطار.

الاستغلال الأمثل للقدرات، والتعرف على الميول، خطوات اساسية للانخراط بقوة، في حبلة الصراع مع البؤس والفقر، فالرغبة الجامحة للانتقال لضفة الرفاهية امر مطلوب، بيد انه ليس كافيا للحصول على النتائج المطلوبة، لاسيما وان العملية مرتبطة بوجود ظروف مؤاتية والقدرة على الاستفادة من تلك الفرص، بالطريقة الصحيحة، بالاضافة لذلك، فان الدخول في مشاريع لا تتناسب مع الإمكانيات، وتتناقض مع الميول الذاتية، تترك اثارا سلبية، وتعرقل مسيرة الخروج من دائرة الفقر، فهناك الكثير من التجارب الفاشلة، التي حملت معها الكثير، من المآسي على أصحابها، جراء الاختيار الخاطئ، بينما توجد تجارب مشرقة ساهمت في الصعود، والانتقال من حالة العوز، الى بحبوحة العيش الكريم.

العزيمة تشكل المحرك الاساس، وراء رفض حالة الفقر والبؤس، فالمرء الذي يتحرك على قاعدة ”على اهل العزم تأتي العزائم“، يعمل بكل جدية على انجاز الاعمال، وتسخير الفرص الصغيرة، في سبيل بناء الذات، واحداث تغييرات جوهرية على الصعيد الفردي، لاسيما وان قراءة الواقع بشكل دقيق، ومحاولة الاستفادة من المناخات الاجتماعية، تمثل الطريق نحو بناء المجد الشخصي، بمعنى اخر، فان العصامية من الاعمال الممدوحة والمحدودة، فالمرء الذي يعتمد على ذاته، في عملية النهوض، يجد الاحترام والتقدير، من لدن الكثير من الشرائح الاجتماعية، مما يساعد في فتح الطريق أمامه، بطريقة او باخرى، لمواصلة مشوار النجاح والخروج، من مجتمع الفقر الى طبقة اكثر رخاء.

يبقى الانسان المحرك الاول، في اختيار طريقة العيش، فهناك من يناضل في سبيل القضاء على البؤس، بشتى الطرق ورفض ثقافة، ”عدم الكفر بالنعمة“ و”احمد ربك على النعمة“، فيما على النقيض توجد فئات، لا تحرك ساكنا، انطلاقا من قاعدة ”خلك على مجنونك لا يجيك اللي اجن منه“.

كاتب صحفي