آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 9:08 م

«وعد الشمال».. ليست مصنعا بل مدينة

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

”وعد الشمال“ أو كيف تعمل السعودية للاستفادة من ثرواتها الطبيعية، بأن تحول الثروة الطبيعية إلى مواد خام تقوم عليها صناعة ويتنوع الاقتصاد، وفي الوقت نفسه تحول الصحاري إلى مدن تصنع حراكا اجتماعيا وإحياء للأرض وعمرانا لها. حدث ذلك مع اكتشاف النفط، عندما استخرج وصدّر وكرّر وجلب ذلك مالا أنعش وطور اقتصادنا الذي كان رعويا قائما على بعض الزراعة والصيد وصناعات حرفية، وبالتزامن وضع ”مخيمات“ «camps» سرعان ما تحولت إلى مراكز حضرية صغيرة ثم بلدات ثم مدن مفعمة بالحياة هي ملء السمع والبصر، فها هو عنقود الظهران - الثقبة - الخبر - الدمام خير شاهد على ذلك. هذا إنجاز شاخص أمامنا، هو نتاج 80 عاما من البناء، الذي لم يحدث مصادفة بل نتج عن جهد متصل من التخطيط الحضري والاستثمار في البنية التحية والمرافق الصحية من مستوصفات ومستشفيات، والتعليمية من مدارس وجامعات، والمرافق الخدمية الأخرى. لقد اتصل ذلك الجهد عاما بعد عام، يعزز مع كل إعلان لميزانية جديدة بمليارات الريالات، يزيد في سنوات البحبوحة ويتقلص في سنوات الضنك. هذا لا يعني أن ذلك الجهد لم يعتريه قصور أو تقصير، لكنه استمر حتى أنتج لنا أيقونات تزين سواحل الخليج العربي حياة، وتجاور كثبان الصحاري مصانعا. ذلك المزيج من الجمع بين البناء الحضري والتعزيز الاقتصادي ولد لنا حراكا اجتماعيا - اقتصاديا في حواضن حضرية، أخرجنا مما كان سياقا مألوفا تنادب عليه أبناؤنا وأجدادنا عقودا وسنين.

اليوم، نعاود الكرة بالسمت ذاته في ”وعد الشمال“، الامتداد الذي تتجاوز مساحته 440 كيلو مترا مربعا، بالقرب من مدينة طريف وتبعد 180 كم عن القريات، لتكون كيانا حضريا يغذيه المكنون الكبير من الثروة الطبيعية، لكنها هنا تعدينية. وكما كانت في وقت من الأوقات ثروة النفط، هي ما جعلنا ننظر لصحارينا كما لم نتعود أن ننظر لها من قبل، باعتبار ما تكتنزه من ثروة في جوفها، فها نحن نتحدث بشغف عما تمتلكه بلادنا من معادن، يقدرها البعض بنحو خمسة تريليونات ريال. لنلاحظ ما يحدث الآن، لا أحد يتحدث عن إقامة مصنع لاستخلاص المعادن، بل مدينة تعدينية، أي أن اقتصادها يقوم على التعدين، أو بتعبير أدق: نشاطها الاقتصادي الأساس «أو القائد» هو التعدين، أما القصد فهو المدينة، فهي الاستثمار، باعتبار أنها مستودع للنشاط الإنساني، الذي سيضخ الفكر والجهد والمال لسنوات متواصلة مقبلة، لينحت لنا مدينة سعودية جديدة تضيف لبلادنا بهاء ولاقتصادنا ازدهارا.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى