آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 10:08 ص

تركي الدخيل: جاسم الصحيح آخر شعراء الفخامة

جهات الإخبارية نوال الجارودي - القطيف

وصف الكاتب تركي الدخيل الشاعر جاسم الصحيح بآخر شعراء الفخامة عبر تغريدات متتابعة نشرها في حسابه على موقع التواصل الشهير تويتر اليوم الأحد.

وتناول الدخيل ‏عبر سلسة تغريدات شخصية الشاعر جاسم الصحيح ورحلته في الشعر وبيئته الإحسائية وأهم الشخصيات التي أثرت في شعره.

وقال ”جاسم الصحيح شاعر سعودي، حلق في سماء الشعر العربي المعاصر: هو ابن الأحساء الذي ما أن جاوز نصف القرن من العمر والحب، حتى نادى معشوقته قائلا: ما وراءَ «الخمسينَ» إلَّا رُفاتُ فتعالي لكيْ تَجيءَ الحياةُ“.

وأورد في تغريدة أخرى القول ‏في 1964 استنشق جاسم، عبير بساتين الأحساء، حينما أنجبته أمه، في الواحة التي اشتهرت بنخيلها الباسقة، وعيون مائها المتدفقة، وشعرائها ومثقفيها الذين شكلوا حركة أدبية أثرت الجو العام. ‎

وأضاف: ‏البيئة الأحسائية التي كانت تكثر فيها الرحلات التجارية والزيارات جهة الجزيرة ودول الخليج والعراق، أثرت مبكرا في الصحيح، الذي كان يستمع في محافل مدينته والقرى المجاورة للشعر في المجالس وبين ظلال سعفات النخيل.

وأشار الدخيل إلى تأثر الشاعر الصحيح بالشعر العراقي. قائلا: ‏كأي شاب أحسائي، تأثر جاسم بالشعر العراقي، الفصيح منه والشعبي. حيث كانت البيئة الأحسائية تكتبه، وتنطق به، خصوصا في مجالس القراءة، أو حتى داخل البيوتات التي شهدت زيجات وعلاقات نسب مع عائلات عراقية.

وعن الشعراء الذين أثروا في شخصية الصحيح الشعرية ذكر الدخيل منهم ‏الشاعر ‎العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري، والشاعر السيد مصطفى جمال الدين، من الأسماء المهمة التي أثرت في ذائقة جاسم الصحيح في بداياته الأولى، وهو تأثرٌ صبغ جيل الصحيح، سواء في الأحساء أو مدن في المنطقة الشرقية.

ولفت في تغريداته إلى تأثير شخصية ‏الشاعر السعودي ‎محمد العلي بقوله: يعتبر أحد آباء الحداثة في المملكة، إبن الأحساء الذي عاش سنوات في العراق، كان شخصية رئيسية أثرت في مسار ‎جاسم الصحيح الشعري، وهو تأثير امتد حتى تجارب الصحيح الأخيرة، ولم يكن محدودا بفترة البدايات وحسب.

وأضاف: ‏تأثير محمد العلي، الذي كان يطلق عليه في العراق اسم ”الهجري“، لم يكن شعريا وحسب على ‎جاسم الصحيح، بل هو بمثابة ”أب فكري“، ساهمت جلسات الصحيح ونقاشاته معه، في رسم تصور مختلف لديه عن الكتابة والثقافة وحتى الأسئلة الكونية الأوسع.

ولفت إلى أن ‏التكوين الديني حاضر في نصوص جاسم الصحيح مشيرا إلى قصيدته ”حتى لا يميل الكوكب“، حيث يقوله: نجده يخاطب معشوقته قائلا ”كلُّ النساء أحاديثٌ بلا سَنَدٍ، وأنتِ أنتِ حديثٌ لابنِ عبَّاسِ“.

وقال الدخيل: ‏مزج ‎جاسم الصحيح بين التكوين الديني والغزل، في نصوصه. دون أن يكون هذا المزج عائقا أمام جمالية النص. ”ها أنا مفردٌ كركعةِ وِتْرٍ، فاشفعيني لكيْ تَتِمَّ الصلاةُ“. فمزجه بين الديني والغزل وظفه ببراعة، جعلته ماهرا في هذا المجال.

وبين أن ‏نصوصه التي تحمل طابعا دينيا، كقصائده في الإمام الحسين، نجد ‎جاسم الصحيح ينتصر للشعر، ويقدم الحسين في حلة من ”الفرح“ و”الجمال“، بعيدا عن البكاء والعزاء، حيث نقرأ له واصفا الحسين: ”لكَ قامةُ الأفلاكِ قامَةْ، والشمسُ كلُّ الشمسِ هامَةْ“.

ولفت الإعلامي الدخيل إلى أن ‏حضور ‎جاسم الصحيح بالمناسبات الوطنية كان كبيرا وفاعلا. وقصيدته ”بصمة التوحيد“، شاهدة على الروح الوطنية التي مزجها بجمال اللغة: وطن عليه يعرش القرآن* فظلاله الآيات والبيان، حفرته فينا الذكريات فحينما، ننسى يذكرنا به النسيان.

وتابع: ‏الوطن في شعر ‎جاسم الصحيح، ليس كيانا جامدا، أو أرضا لها تشكل جغرافي وحسب. بل هو كائن حي، روحه ونواته الرئيسة هي الإنسان، وتفحص الأجداد حمض ترابه، فرأوا بأن ترابه إنسان.

ووصف الدخيل قصيدة الصحيح في مهرجان الجنادرية 25 بأنها ‏من القصائد الوطنية الخالدةالتي ألقاها: يا نجد عاد لليلك السمار، فدعي الرؤوس على هواك تدار، قومي ندون سيرة السيف الذي، صلى على شفراته الأحرار.

وأشار إلى براعة ‏الصحيح في الجمع بين التصوف والجسد، حيث يقول: يظهر ذلك في ديوانه ”رقصة عرفانية“. وهو جمع بين متناقضين في نظر كثيرين. إلا أن الصحيح استطاع أن يقدم رؤيته: العاشق المأخوذ بروح وجمال حبيبته، المتجرد نحو العشق الكوني الأكبر.

وتناول الدخيل في إحدى التغريدات ‏ديواني ”كي لا يميل الكوكب“، وأيضا ”أولومبياد الجسد“، وقال عنهما: يقدمان صورة عن ‎جاسمالصحيح الذي تحضر المرأة والعرفان ضمن نصوصه. ومن يقرأ البيت: إذا انتشَيتُكِ فَرَّتْ روحُ زَنبَقَةٍ، من قبضةِ الحَقْلِ وانحلَّتْ بأنفاسي، يجد المزيج بين تجرد المتصوف ولهفة العاشق.

وأوضح الدخيل أن الشاعر جاسم الصحيح ‏يعتبر أن لدى الشاعر ”رؤية تجاه الحياة“، إلا أنه في ذات الوقت يرى أن على الشاعر ألا يتناول القضايا الحياتية في نصوصه بطريقة مباشرة أو سياسية، وإنما من خلال مقاربة جمالية فنية في الدرجة الأولى.

وبين أن الصحيح بالعديد من الجوائز داخل السعودية وخارجها، ويحذر الشعراء الجدد من الجري وراء المسابقات، معتبرا أن ”الجوائز إذا لم ينتبه لها الشاعر تتحول إلى مصيدة باتجاه الانحدار“

ولفت إلى أن الشاعر الصحيح ‏يعتبر نفسه منتميا إلى النص الشعري العمودي، إلا أنه في ذات الوقت يكتب نصوصا بصيغة ”التفعيلة“، ولم يقتصر على قصيدة الشطرين. وهو في ذات الوقت لا يتخذ موقفا رافضا لقصيدة النثر، وإن لم يكتبها.

وبين أثر النقاشات والسجالات والقراءات النقدية على نص الصحيح من خلال وجوده في وسط يمتاز بالحراك الشعري، مع كتاب وأدباء أحسائيين مثل: محمد الحرز، إبراهيم الحسين، عبد الله السفر، جعفر عمران، وغيرهم، خلق له وسطا استطاع من خلاله تطوير تجربته، عبر القراءات النقدية والنقاشات والسجالات التي أثرت نصه.

وتحدث عن أبرز الموضوعات الحاضرة في نصوص ‎جاسم الصحيح، وهي: الوطن، العشق، العرفان، المحبوبة، والتوق إلى تجربة روحية وجسدية لا تنتهي، العشقُ أوَّلُ ما يكونُ شجاعةٌ، ما خاضَ شوطَ العاشقينَ جبانُ.