آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

السيدة المعصومة تاج العفة

سيرة السيدة فاطمة المعصومة العطرة - على قصر عمرها الشريف - مفعمة بمضامين وتوجيهات كثيرة كنجوم تتلألأ في سماء الكمال والفضيلة، وحري بنا أن نتأمل تلك المفردات المعطاءة ونقف عندها بعين البحث والتدقيق والاستنتاج، فتلك الشخصيات العظيمة الاقتداء بنهجها وذلك بعد التعرف عليه يمثل ومضة منيرة ونقطة قوة في شخصية المرء، إذ يجد فيهم قبسا ينير له دربه في هذه الحياة الملأى بالأزمات المحيرة، فمواقفهم وكلماتهم تلقي بظلال الحكمة والطمأنينة والهمة العالية في خط الانطلاق نحو تكامل النفس وتخليها عن شوائب الضعف والتلوث بالشهوات والأفكار المتيهة.

قصر عمرها لم يكن له أي تناسب مع عطائها ونورانية ما قدمته من مواقف توجت بقول أبيها المعصوم الكاظم : فداها أبوها، وهذا يمثل أول إنارة لنا بين يدي المعصومة إذ البيئة والأسرة التي تتلقى منها تعاليمها وتربيتها وتحيا بين أكنافهم عامل مهم في تكوين شخصية الإنسان، فمن طلب القوة في شخصية طفله وتعززها بالذكاء والخلق الرفيع والاستقامة والعلاقات الوازنة فلينظر إلى البيت الذي تغذت فيه المعصومة وأي يد زقت المعارف والقيم في نفسها، حتى يتعرف على ما ينبغي تهيئته وتنظيمه في البيت المعطاء والبيئة المناسبة الخصبة، فالسيدة المعصومة وإن حرمت من أنوار أبيها الإمام الكاظم لظروف اعتقاله إلا أن عنصر الوراثة النجيبة من راهب آل محمد والمرأة العارفة الطاهرة السيدة نجمة ألقى ببصماته وصبغته على علو شأنها، كما أنها تلقت تربيتها ومعارفها من أخيها الإمام الرضا وهنا يجتمع ويتكامل عاملا الوراثة والبيئة.

فمن طلب العلا والنجاح والقوة في شخصية أبنائه فليتفحص هذه البيئة النورانية التي اكتنفت السيدة المعصومة وليقتف أثرها، فالاهتمام والرعاية بالأبناء منذ الصغر وإيلاء وقت وجهد كبير لتنمية قدراتهم خطوة مهمة نحو صياغة شخصياتهم، كما أن تلك البيئة لابد أن تكتنف عامل التعزيز والتشجيع إذ أن كلمة الإمام الكاظم في حقها «فداها أبوها» توجيه تربوي لنا في كيفية التعامل مع أي إنجاز من أبنائنا.

هذه العظيمة حينما تقدم كنموذج يحتفى به في العفة والقرب من الله تعالى ونورانية العلم لبناتنا، تجعلنا نساهم في توجيه تربيتهم نحو التقدم والتكامل وليس الإسفاف والوهم والانحدار، والمهم أن يكون هذا البناء الممنهج يحترم عقول فتياتنا الصغار فلا يلتزمن بشيء من جلباب العفة إلا من خلال الإقناع الفكري وليس بالترهيب والإجبار؛ ليكون ذلك أدعى لشدة التزامها وأما التمسك القشري فيتلاشى ويضمحل.

فيا حبذا أن لا يغيب اسم السيدة فاطمة المعصومة من دورات التكليف الخاصة بالفتيات المقبلات على سن البلوغ والرشد، وأن يكون عبق سيرتها جزءا من مفردات المادة الأخلاقية التي ترسخ الرمزية والقدوة الحسنة في الأذهان، وليكن اسمها عاليا في قاعة المحاضرات والندوات الحوارية التي تبين خطوط الشخصية الرسالية ذات الصبغة الإيمانية، وبذاك يكون حضورها الشريف في فكرنا وقيمنا قويا وحافزا نحو التمسك بحجزة التربية الأخلاقية الرفيعة.

العظماء كالسيدة فاطمة المعصومة لا يجسدون بحضور رمزي خافت في كياناتنا لا يتعدى مراسيم الزيارة والذكر السريع في المناسبات المتعلقة بحياتها الشريفة والتسليط الإعلامي الباهت على شخصيتها المعطاءة، بل لابد لنا من إعادة صياغة حضورها العقائدي والثقافي في وجداننا لتغدو منهجية فكرية متحركة معنا على مستوى مختلف الأصعد الحياتية.