آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

الحميدي.. من قارئ لمجلات الأطفال إلى منصات التتويج راويا وناقدا أدبيا

جهات الإخبارية سرد: انتصار آل تريك - القطيف

صاحب ”التحولات“ الذي عشق القلم لدرجة وصفه أحد أقرباءه بالجنون. كانت بداياته مع قراءة مجلات الأطفال وانتهى به الحال إلى منصات التتويج بالمراكز الأولى في مسابقات الرواية والبحوث والنقد الأدبي، علاوة على عمله الراهن على رسالة الدكتوراه.

يتحدث الكاتب والناقد محمد الحميدي لجهينة الاخبارية عن نشأته داخل منزل الأسرة في بلدة القديح بمحافظة القطيف حيث تمتلك العائلة مكتبة بدأت أصابعه في ملامسة الورق وتفتح ذهنه على الكثير من الأفكار ومنذ ذلك الوقت وعشق الكتاب لا يفارق مخيلته، صار كلما توغل في العمر تمسك بعاداته في القراءة والمطالعة ومواكبة المستجدات المعرفية والعلمية.

ولد الحميدي ونشأ بين أحضان النخيل والعيون والشمس الساطعة، في بلدة القديح كانت صرخته الأولى عام 1978 واستنشاقه لنسيم الحياة، تربى في أحضان أسرته المحافظة، ويعتبر في الترتيب آخر الأبناء الذكور.

اتخذ لنفسه مسارا مختلفا عن باقي أفراد الأسرة وبدأ مبكرا بكتابة مذكراته اليومية وبعض الحوادث التي يستشعر أهميتها ثم قصص وحكايات والدته التي كانت تحكيها كل ليلة قبل النوم فتفتق ذهنه على الخيال واستشعر أهمية الحكاية في تطوير الروح وصياغة السلوك وكانت بمثابة الدافع الإضافي بالنسبة إليه للكتابة فيما بعد.

واستدرك بلغة ارجعته للذكريات الجميلة التي نشأ فيها وعاش ضمن هذا الجو ونضج داخل هذا العالم، إلى أن قرر ذات يوم بعيد في صغره أن يكون كاتبا، وتحديدا منذ الصف الأول المتوسط، حين أخذ الأستاذ يوزع عليهم الأنشطة التي يرغبون الانتماء إليها، ولأن مجال الكتابة والقراءة ليس موجودا فقد اختار الإعلام كمجال ينتمي إليه.

في العام التالي وبينما ينتقل إلى الصف الثالث المتوسط، حدث أنه ولأول مرة استلم «الخرجية» مصروفه كاملا من والده، وكان يبلغ مئة ريال في الشهر، في غمرة الحدث السعيد أخذ المئة ريال واتجه إلى مكتبة وقرطاسية الأمل في بلدته القديح وكانت تبيع بعض الكتب والمجلات واشترى كتابين هما: الموسوعة العلمية الميسرة والموسوعة الطبيعية الميسرة، وكان سعر الواحدة يبلغ الخمسين ريالا.

كان هذان الكتابان أول الكتب التي امتلكها في حياته وبعدها بدأت رحلته مع جمع الكتب وقراءتها، اتجه إلى مجلتي الأطفال ”باسم“ و”ماجد“ الاماراتيتان اللتان كانتا تباع في قرطاسيات القديح فكان يحرص على اقتنائهما كل أسبوع ولا يفوت عددا من أعدادهما، ولعبتا دورا في اتجاهاته الأدبية والكتابية تاليا.

في مرحلة الدراسة الجامعية قال الحميدي لـ ”جهينة الإخبارية“ إنه اختار لنفسه تخصص اللغة العربية عن اقتناع تام ودافع داخلي يتوافق مع ميوله ورغباته، واستمر في شراء الكتب وقراءتها حيث كان يخصص مبلغا ماليا من مكافأته الجامعية ويتجه إلى مكتبة العبيكان أو جرير للحصول على المنشورات الجديدة، وفي نفس الوقت تفتقت رغبته في الكتابة أكثر فأصبح يحمل قلمه ودفتره ويكتب أفكاره وخواطره وما يطرأ داخل رأسه،

وتذكر وهو يغالب دموعه حادثة وقعت له في تلك المرحلة حيث توفي أحد أعمامه «رحمه الله» بحادث وتقرر أن العزاء سيكون في مسجد الإمام علي فذهب هناك مبكرا وانكب على دفتره يكتب ما في رأسه من أفكار ووصل بعده ابن أخته الذي تعجب من فعله ووصفه بالجنون!

ولم تنتهِ دراسته الجامعية إلا بإكماله كتابه الأول «تحولات الشعر» وهو الذي صدر فيما بعد بعنوان ”التحولات“، ثم بعد زواجه واستقراره الأسري وعقب فترة انقطاع عن الكتابة والقراءة بسبب الضغوط الحياتية، عاد ليمارس هوايته بشغف أكبر من السابق وقرر إكمال دراسته العليا فحصل على الماجستير عام 2013م وحاليا يعمل على كتابة رسالة الدكتوراه.

بثقة كبيرة أخذ يتحدث عن وقت الاتجاه من ناحية الكتابة النقدية أخذ في النمو معه خلال مراحله المعرفية واكتمل بعد الجامعة، إذ جاء نتيجة ثقافته الواسعة واطلاعه الكبير وقراءاته الكثيرة للكتابات المتخصصة في هذا المجال ثم الانكباب على الكتابات الإبداعية ومحاولة الغوص داخلها واكتشاف أسباب تفوقها، لتتحول من مجرد هواية بالنسبة إليه إلى احتراف، فهو لا يكتفي بقراءة النص بل يتأمل فيه ويتناقش معه ويستنتج الخفايا التي تسببت في إنتاجه والجدل الذي يمكن أن يثيره، والآفاق التي يفتحها، والعيوب التي وقع فيها.

”الاحتراف يعني أن تعطيَ موهبتك وإبداعك كل شيء في حياتك وربما يسعفك الحظ وتتفوق على الآخرين“، هذه كلمة السر في الآفاق التي انفتحت تاليا أمامه وكان مؤمنًا بها، حيث أخذ بالبحث عن ذاته بين الركام واستخرجها وأجاد عرضها، وحصل بسبب ذلك على أولى جوائزه النقدية التي كانت عبر محطة النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية، حين شارك في مسابقة البحوث النقدية وتوج بالمركز الأول عام 2005م.

ربما كان للظروف الاجتماعية والمادية تأثير سلبي عليه، وعلى الشباب من جيله، إذ سرقه الزواج من عالم الكتابة وشغف القراءة مؤقتا، وبات يحمل الهموم على كتفيه، حتى انتهى إلى عام 2010م وهو العام الذي شهد انفراجا أعاده مجددا إلى عشقه القديم، وأعاده كذلك إلى مقاعد الدراسة الافتراضية، واستكمل متطلبات الماجستير 2013م متخرجا من جامعة المدينة العالمية «ميديو» بماليزيا، وخلال هذا الوقت انهمك في القراءة الجادة والتأليف وأصدر مجموعة متنوعة من الأعمال.

مع قدوم 2017م شارك في مسابقة جائزة القطيف للإنجاز التي خصت الجانب الأدبي بفرعين، هما: الرواية الأدبية - النقد الأدبي، فعقد العزم على الدخول والمنافسة، وقدم في مجال الرواية عملين هما: صمت - الشهداء، أما في النقد الأدبي فقدم مجموعة من الأعمال المتنوعة، وهي: خارج الزمن - الخَلاص - الوهم أزمة الحب المعاصر - إلغاء الرقيب - القارئ الافتراضي.

نتيجة المسابقة كانت مفاجئة للجميع؛ حيث حاز المركز الأول في فرعي الرواية والنقد الأدبي، فحصل بذلك على تفوق مزدوج وتم تكريس اسمه كأحد المبدعين المتألقين في القطيف، ولا يزال إلى اليوم الفائز الوحيد بجائزتين ضمن مسابقة جائزة القطيف للإنجاز خلال عام واحد.

تواصلت مسيرته في حصد الجوائز فجاء العام 2018م وشارك في مسابقة الكساء الأدبية التي ينظمها ملتقى ابن المقرب الأدبي بالدمام، حيث سجل حضوره عبر بحث عنوانه: المقدس الإلهي في القصائد النبوية. وحاز المركز الثاني بعد أن تم حجب المركز الأول لعدم استيفاء المتسابقين لكامل شروط المسابقة، ولا زال المستقبل في الانتظار، ولا يعلم ما الذي يخبئه القدر من مفاجآت.

صحيح انه من غير الممكن الحديث عن ما يخبئه القدر، لكن يمكننا ببساطة الحديث عما كشفته الأقدار حتى الآن، فذلك الصبي الصغير الذي وصفهم أحدهم يوما بالجنون، جاء اليوم الذي يخوض في ”التحولات“ ويقوده الإصرار والعزيمة من مجلات الأطفال إلى منصات التتويج عن جدارة واستحقاق.