آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 4:16 م

جائحة كورونا والمعركة المفتوحة

محمد الشيوخ *

في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد والقيود المتخذة لمكافحته لا أحد يجادل اليوم بأن الكثير من أرباب الأسر في مجتمعنا، خصوصا العاملين في المهن الحرة، على الأقل، قد خسروا دخلهم، ولعل بعضهم قد وصل لحالة العجز التام عن توفير الغذاء لأفراد أسرهم أو اوشك على الوصول لحافة الهاوية. شخصيا اعرف البعض من هؤلاء عن قرب، وأدرك جيدا مدى معاناتهم الشديدة في ظل هذه الظروف القاسية، وأظن ان معظمكم يعرف أكثر منا بوضع هؤلاء ومدى احتياجهم للعون والمساعدة العاجلة.

كما لا يجادل أحد أيضا بأن الجمعيات الخيرية وحدها، وبما تمتلك من موارد مالية محدودة، لا تستطيع بأي حال من الأحوال، ان تتحمل عبء تعويض هؤلاء، وهم بالمناسبة شريحة ليست بقليلة في المجتمع، بل لا تستطيع أيضا حتى مساعدتهم ماليا ولو بالحد الذي يؤمنوا من خلاله كلفة الطعام والغذاء اليومي فقط ولأسابيع قادمة، هذا فضلا عن توفير سائر الإجتياحات الأساسية كالدواء ورسوم ايجار السكن وفواتير الكهرباء والماء.. الخ.

قطعًا لا أحد يقبل ان تبقى أسر هذه الشريحة الضعيفة تتضور جوعًا وتعاني الأمرين، لما يترتب على ذلك من آثار كارثية، الامر الذي يحتم على ابناء المجتمع بكافة شرائحه، خصوصا المقتدرين منهم ماليا القيام بواجبهم الديني والأخلاقي والإنساني، حيال هؤلاء الناس كي لا تتضاعف مأساتهم في هذا الظرف الصعب والحساس.

في هذا السياق اقترح على الخيرين والميسورين من أبناء المجتمع، وعلى وجه السرعة، تحسس وضع هؤلاء ومساعدتهم ودعمهم، من خلال العمل على المسارات التالية:

1 - مضاعفة الدعم المالي واللوجستي المؤقت للجمعيات الخيرية في هذا الظرف الاستثنائي، لتقوم بدورها في مساعدة هؤلاء وغيرهم من الفئات الضعيفة والمتضررة في المجتمع. وكذلك آمل من الجمعيات الخيرية تفعيل كافة برامج التكافل الإجتماعي بالمجتمع. ولا بأس أن تتشكل لجان اجتماعية تطوعية مؤقتة لمساندة جهود الجمعية في هذا المجال، بحيث تعمل هذه اللجان تحت مظلتها وإشرافها لحين انتهاء هذه الجائحة.

2 - قيام أهالي الأحياء بتفعيل دور الأحياء في مختلف المناطق، وبالتنسيق مع الجمعيات الخيرية إن لزم الأمر، لتشكيل لجان طوارئ اجتماعية في كل حي، لمؤازرة هذه الفئة المغلوبة وغيرها من الفئات المتضررة، ماديًا وغذائيًا ومعنويًا ودوائيا الخ. كما يمكن أن تساهم هذه اللجان بالتنسيق مع وزارة الصحة أيضا في العمل التوعوي الصحي الإحترازي لمواجهة هذا الوباء.

3 - أن يبادر أصحاب العقارات السكنية في إعفاء المستأجرين الضعفاء الساكنين لديهم من دفع قيمة الإيجار، خصوصا الذين لا يملكون دخلا ثابتا، هذه الفئة المغلوب على أمرها. شخصيا أعرف البعض من أصحاب العقارات السكنية والتجارية قاموا مؤخرا مشكورين بإعفاء المستأجرين الضعفاء والمتضررين لديهم من دفع قيمة الإيجار لبضعة أشهر، إحساسًا منهم بأهمية التكافل الإجتماعي في هذا الظرف الصعب.

4 - تخصيص جزء من الحقوق الشرعية، لتخفيف العبء وتقليل المعاناة عن كافة المحتاجين والضعفاء المتضررين، بسبب هذا الوباء. وأظن أن معظم المرجعيات الدينية تدفع في هذا الاتجاه. لقد أخبرني أحد الفضلاء من العلماء بأن بعضا من أرباب الأسر الذين فقدوا وظائفهم مؤخرا بسبب هذه الجائحة، صاروا يترددون على رجالات الدين باستمرار طلبا للمعونة والمساعدة. وهذا مؤشر على بأن هؤلاء قد نفذ ما لديهم من مال، وبالتالي أصبحوا عاجزين عن توفير حتى لقمة عيش أسرهم. وأعتقد ان رجالات الدين في بلادنا لم ولن يقصروا في هذا الشأن.

5 - أن يساهم كل فرد مقتدر من أبناء المجتمع وبالقدر الذي يستطيع وبالطريقة التي يراها مناسبة، لدعم أيًا من هذه الفئات المتضررة بسبب هذا الوباء، وبأي شكل من أشكال الدعم والمساعدة المادي والمعنوي. فالمبادرات الفردية البناءة مطلوبة في هذا الظرف، وأعتقد أن في بال كل واحد منا سبلا عديدة للمؤازرة والدعم، وربما تكون أكثر أهمية وعملية مما ذكر أعلاه.

أظن أن هذا هو الظرف الواجب فيه تطبيق مفهوم ”التكافل الاجتماعي“ بكل حذافيره وأشكاله وصوره. ولا شك أن هذا الدور الاجتماعي والمفصلي لا يقل أهمية وضرورة عن كافة الأدوار والإجراءات الصحية والوقائية، بل هو جزء لا يتجزأ من معركتنا الشاملة والمفتوحة والطويلة والمعقدة مع هذا الوباء الشرس والفتاك، كما إن فيه من الأجر الكبير الذي لا يعد ولا يحصى، لأنه سيساهم بلا ريب في التخفيف من معاناة وآلام الكثير من الضعفاء والأسر المحتاجة وتسكين أوجاعهم وسد جوعهم، وهو عمل إنساني وخيري عظيم لا يقل أهمية عما يقوم به الأطباء والمسعفين والممرضين من دور بالغ الأهمية والحساسية في هذه الأيام العصيبة.

نحن مدعون جميعا بأن نشمر عن سواعدنا لمواجهة هذا الوباء على مختلف الصعد «صحيا، اجتماعيًا، اقتصاديا، أمنيا، ثقافيا» وبكل الوسائل الممكنة والسبل المتاحة والمشروعة لأن معركتنا مع هذه الجائحة هي معركة جماعية طويلة ومعقدة وهي معركة موت أو حياة بالنسبة لنا جميعا، لذا يلزم أن نخرج منها أيضا منتصرين على هذا الوباء القاتل وفي أقصر فرصة ممكنة وبأقل الأضرار والكلف بأذن الله، وحمانا الله وإياكم من كل شر وسوء.

باحث في علم الاجتماع السياسي