آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 11:51 ص

الحسين رحيق الدموع

علي صالح البراهيم

«حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا» النبي الأكرم ص

بعض من يشكل علينا يظن أن رسول الله كأحد منا، قال لولده أو حفيده إني أحبك وأنت جزء مني أو قطعة مني وأنا جزء منك. هل يعقل أن رسول الله الذي لاينطق عن الهوى كرر هذه الكلمات إعتباطا أوجهلا وبأكثر من مناسبة؟ أم أنها تحمل دلالات ومعاني عميقة تتجذر بالنفوس أراد بها تبيان شي عظيم، وكأنه يقول بأن الحسين هو إمتداد للخط الرسالي وللمشروع الإلهي، وأن ما أقوم به آتى حفيدي ليتتمه وليحافظ عليه حتى يضمن بقاءه واستمراره. بل أكثر من ذلك فهو إمتداد لرسالة الأنبياء ومفدى لهم ومحافظ على حياتهم، كما حصل عندما عزم إبراهيم على ذبح إسماعيل برؤية قد رأها، فلما أسلم وتله للجبين فدي بكبش عظيم من الجنة. وكذا عبد المطلب وهو وصي من الأوصياء لايفعل مايفعل الا لأنه ملهم من قبل الله ولانشكل عليه، فإنه قد نذر لله بالكعبة أن إذا رزقه الله بعشرة من الأبناء ليذبحن أحدهم قربة لله، وفعلا رزقه الله وقال: وفى الله لي فا لأوفين له. وعمل قرعة لأكثر من مرة وفي كل مرة يقع الإختيار على ولده عبدالله والد نبينا الكريم ص، وعزم على الوفاء بالنذر فاخذ عبدالله وجهزه للذبح، فاستوقفته إبنته عاتكه عمة الرسول ص وهي حكيمة ومؤمنة تقية فأشارت عليه أن تستبدله بالابل وتذبح منهم حتى ترضي ربك. فاقترع ورأى ذلك يساوي مئة رأس من الابل، فذبحها ووفى بنذره ونجى عبدالله من الذبح. وبالثالثة يوم الطف كان بأبي هو وأمي هو الكبش العظيم وهو وارث الأنبياء وماجرى عليهم من مصائب وكروب وبلاء من أقوامهم ولاعجب أنه كلما مر نبي بأرض كربلا فاضت عيناه بالدموع وبكى بكاء شديدا لما يحصل على سبط نبي آخر الزمان من مصاب جليل.

وكما أن النبي الأكرم أحب ريحانته وأوصانا بحبه فنحن نقتدي به ونسير على هديه فلقد أحببنا حسينا وحبه يسري في دمائنا وعشقه يكلل جميع جوانب حياتنا، فهو عبرة كل مؤمن عرف حقه ”إن لقتل الحسين حرقة في قلوب المؤمنين لاتنطفئ الى يوم القيامة“. حق علينا أن نذكر سيرته ونتلمس منها الأخلاق والمثل العليا، والدروس والعبر. وبالخصوص ثورة كربلاء، ثورة إنتصار الدم علي السيف، والتي بقت أصدائها مدوية لاتندرس رغم تعاقب الدهور والأزمان، فهي أمل المظلومين والمنكوبين والثوار والأحرار، وأقوى قوة في وجه الطواغيت والجبابرة بكل زمان ومكان. حق على كل مسلم أن يعرف قطعا بأن الحسين ضحى بكل شي، أولاده وإخوته وأصحابه ونفسه الزكية، من أجل بقاء صرح الإسلام عاليا وتحقيق رسالة جده رسول الله. فالاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء.

ومن المفيد أيضا بمكان أن نقف على جانب من جوانب سيرته العطرة، والتي فيها من المثل السامية والقيم العليا الشيء الكثير، ونورد قصة من حياته تلائم أجواء الصيام التي نعيشها الآن في شهر الله شهر رمضان المبارك. وهذه القصة تتحدث عن إطعام الطعام، وبذله للفقراء والمحتاجين، وانه من أحب الأعمال إلى الله عزوجل ومن الأسباب الموجبة لدخول الجنة والبعد عن النار. يقول تعالى في الآيتين «8» و«9» من سورة الانسان: 《《وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا «8» إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا «9».

فقد جاء في الكشاف للزمخشري الجزء الرابع صفحة «670» عن سبب نزول هذه الآيات كما يلي:

عن ابن عباس قال: مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذراً، فنذر علي وفاطمة وفضة وجارية لهما، إن برئا ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام، «طبقا لبعض الرّوايات، أنّ الحسن والحسين أيضا قالا نحن كذلك ننذر أن نصوم» فشفيا وما كان معهم شي‏ء، فاستقرض علي ثلاث أصواع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزته، فوضعوا الأرغفة بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل، وقال: السلام عليكم، أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلّا الماء وأصبحوا صياماً.

فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه «وباتوا مرة أُخرى لم يذوقوا إلّا الماء وأصبحوا صياماً» ووقف عليهم أسير في الثّالثة عند الغروب، ففعلوا مثل ذلك.

فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: «ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم» فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها، وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبرائيل وقال: خذها يا محمد هنّأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة. انتهى

عن الامام الصادق انه قال: مَنْ أَرَادَ اللهُ بِهِ الخيْرَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ حُبَّ الحُسَيْنِ وَحُبَّ زِيَارَتِهِ، وَمَنْ أَرَادَ اللهُ بِهِ السُّوءَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ بُغْضَ الحُسَيْنِ وَبُغْضَ زِيَارَتِه. " «كامل الزيارات».

من مكنون ذاتي أقول: لمثلك سيدي يستهيم العاشق ويرتل سمفونية الحب، في واحة غناء مليئة بالتسامح والإخاء والإباء والإيثار، تجسدت فيك مولاي ياحسين أنموذجا لايتكرر عبر تاريخ البشرية جمعاء.

وقد وددت لو أمتطي فرسا أشوس يمخر عباب الأرض، مجتازا الحدود لأصل إليك يامهوى قلبي وروحي، وأحط على أعتابك سيدي ياحسين.