قلب الحقائق
يستغل البعض ”جهل“ بعض الشرائح الاجتماعية، لاطلاق الكثير من الافتراءات وجملة من الاكاذيب، بهدف نشر ثقافة زائفة والعمل على ابقاء ”الجهل“، معشعش في العقول على الدوام، باعتباره السلاح الاكثر قدرة على استمرارية الاحتفاط بالنفوذ الاجتماعي، والتربع على الصدور لفترة طويلة، فهناك الكثير من الممارسات التي تأخذ طابع ”التنوير“، وبث المعرفة في العقول، ولكنها تستبطن الكثير من المغالطات وتعمل بخلاف الشعارات المرفوعة، خصوصا وان استغلال ”الجهل“ يتخذ الكثير من الاشكال، والعديد من الاساليب بخلاف الظاهر، نظرا لصعوبة وضع النقاط الحروف وكشف الحقائق، بخصوص الكثير من الممارسات الظاهرية، مما يستدعي انتهاج سياسة ”الخفاء“، ورسم الاهداف غير المرئية، في محاولة للظهور بمظهر الناصح، والمرشد على الدوام.
الجرأة على تزييف الكثير من الحقائق، ليست مرتبطة بامتلاك الفضاء الاجتماعي، في احيان كثيرة، ولكنها ناجمة عن وجود محفزات عديدة، تدفع اتخاذ هذا المسلك الخطير، خصوصا وان عملية قلب الحقائق تحمل في طياتها الكثير من المخاطر، على المدى القريب والبعيد في الوقت نفسه، نظرا لارتباطها بتشكيل المحتوى الثقافي السائد في المجتمع، فهذه العملية تعمد لانتقال الثقافة الاجتماعية، من اقصى اليمين الى اقصى الشمال، في بعض الاحيان، لاسيما وان العملية لا تقتصر على بعض المعلومات، او بعض الحوادث التاريخ البسيطة، وانما تعمل على احداث تغييرات جوهرية، في المنظومة الثقافية الراسخة في العقل الاجتماعي، مما يشكل خطورة كبرى على الاجيال القادمة، من خلال ايجاد اجيال فاقدة للموروث الثقافي، المستند للحقائق التاريخية الصحيحة.
عملية قلب الحقائق بحاجة في احيان كثيرة الى برنامج متكامل، وفريق قادر على ادارة المعركة باحترافية عالية، لاسيما وان الهفوة الصغيرة تكلف الكثير من الخسائر، وتسهم في كشف الخفايا على الملأ، مما يتطلب الحذر على الدوام لتفادي الانزلاق، والوقوع في الخطأ، الامر الذي يفرض وضع مخطط متكامل وفق مراحل زمنية أحيانا، واحيانا اخرى تكون مهمة نشر الحقائق المغلوطة، بحاجة الى صدمة مرة واحدة، وذلك تبعا لنوعية المرحلة الزمنية، ومستوى الوعي الاجتماعي، وبالتالي فان محاولة رسم مسار موحد لتمرير مخطط تزييف الحقائق، يكشف عن افتقار كامل لقدرة البيئة الاجتماعية، على تقبل تلك المعلومات المغلوطة، الامر الذي يستدعي دراسة الوضع بشكل دقيق، قبل البدء في تنفيذ المشروع على ارض الواقع.
الصدمة الكبرى الناجمة عن قلب الحقائق، تتطلب عناصر قادرة على توجيه الرأي العام، باتجاهات محددة، لاحداث فجوة في اللاشعور الاجتماعي، لاسيما وان عملية غسيل الادمغة، وتكريس المعلومات الخاطئة ليست سهلة، فهي بحاجة الكثير من الجهد من قبل عناصر احترافية، تمتلك القدرات الفائقة لمخاطبة اللاشعور بطريقة خاصة، لاسيما وان الجهل يمثل الطريق السالك لتمرير تلك الحقائق الزائفة، الامر الذي يستدعي تكريس الجهل في البيئة الاجتماعية، تجاه بعض الحقائق، بهدف التأثير عليها بشكل مباشر أحيانا، وغير مباشر احيانا اخرى، وبالتالي العمل ”تدجين“ او ترويض المقاومة العقلية، لدى تلك الشرائح الاجتماعية بطرق مختلفة، مما يشكل مدخلا اساسيا في عملية تكوين الثقافة ”المغلوطة“، في الوسط الاجتماعي، بحيث تدفع باتجاه المشروع المرسوم سلفا.
امكانية نجاح مشروع ”قلب الحقائق“، مرتبطة بمستوى المقاومة اللاشعورية، لدى البيئة الاجتماعية، فالبيئة غير القادرة على التمييز بين الحقائق السليمة، والاخرى المسمومة، فانها ستبتلع الطعم بسهولة ودون عناء يذكر، مما يجعلها اداة سهلة الانقياد لاصحاب مشاريع الحقائق المغلوطة، مما يشكل ضوء اخضر الدخول المباشر، في عملية تزييف الواقع بشكل جماعي، فيما ستكون العملية اكثر صعوبة، بمجرد بروز ”المقاومة“ الثقافية، في الوسط الاجتماعي، لاسيما وان تمرير بعض الوقائع يتطلب تعزيرها بمجموعة من الاثباتات، عوضا من اطلاق الاحكام المسبقة، وبالتالي فان عملية غسل الادمغة في البيئات الاجتماعية الواعية، اكثر صعوبة من الاوساط الاجتماعية الجاهلة، الامر الذي يعطي دلالة على الفشل مرهون باظهار المقاومة، بمختلف اشكالها الثقافية، مما يسهم في فشل المشروع في نهاية المطاف.