آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 4:17 م

منتدى الثلاثاء وسنة التنوع

لقد شق هذا المنتدى المتميز، منتدى الثلاثاء الثقافي الذي تأسس في محافظة القطيف، طريقه منذ عشرين عاما مضت بكل ثقة ونجاح واقتدار بقيادة نخبة عالية الثقافة من أبناء هذه المدينة الناهضة.. فأصبح منبرا سامقا للعلم والمعرفة، ومقصدا لكل الأطياف العلمية والثقافية والنخب الاجتماعية. لم يقصر منتدى الثلاثاء الثقافي نفسه ونشاطه على فئة دون أخرى، أو توجه فكري معين، بل انفتح على الجميع، وهذا هو سر نجاح هذا الصرح المتميز الذي بلغت سمعته الآفاق. وما ذلك الا لتبنيه سنة الله تعالى في التنوع.

التنوع في الديانات والمذاهب والألوان واللغات، هذه السنة التي جعلها الله تعالى من مقومات هذا الكون وعبر عنها في كتابه الكريم بقوله: ﴿ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين، «118 هود»، وقوله تعالى: ﴿ومن آياته خلق السماوات والأرض، واختلاف ألسنتكم وألوانكم، «22 الروم». هذه السنة التي ما تمردت عليها أمة من الأمم، ولا جماعة من الجماعات، إلا وذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا.

إن المطلع على ما قدمه هذا المنتدى عبر مسيرته الطويلة، من محاضرات وندوات وأمسيات ولقاءات ونتاج فكري وعلمي متنوع، ليتملكه الإعجاب ويغمره السرور بوجود هذا المنتدى بين ظهرانينا. فبنظرة عابرة لما قدمه منتدى الثلاثاء الثقافي من فعاليات ومناشط على مدى العقدين الماضيين، ولمن شاركوا في أمسياته ومحاضراته وندواته، من وزراء وعلماء دين ورجال فكر وشعراء وحقوقيين، يتبين للمهتم والمتابع ما لهذا المنتدى من حضور، وما بلغه من مكانة رسخت دوره في نشر الوعي والمعرفة في أوساط المجتمع وتعزيز الحوار وتجسير العلاقات بين النخب العلمية والثقافية.

لقد جعل المنتدى مواضيع التعايش المجتمعي والسلم الأهلي والتسامح الديني وحقوق الإنسان وتجديد الفكر الديني منهجا وشعارا له، وهذه تحسب له بلا شك، لذا فلا يستغرب حصول هذا المنتدى على تكريم وزارة الثقافة والإعلام في بلادنا، وحصوله على جائزة بعثة الإتحاد الأوروبي في المملكة والخليج فضلا عن تكريم العديد من المؤسسات الرسمية والأهلية. ويزداد الإعجاب بمقدرة القائمين عليه بعملهم المؤسسي على استقطاب كبار المسئولين والمثقفين ورموز التيارات المتعارضة والتوجهات الفكرية المتضاربة، بصدر رحب وأفق واسع ونظرة ثاقبة، والتي شكل نتاجها هذه اللوحة الجمالية المطرزة بألوان بهية من الأفكار والآراء والمعارف والأشعار.

إن من يطلع على قائمة ضيوف المنتدى، طوال مواسمه السابقة يرى أن هناك توجها واضحا لإحداث نقلة حقيقية في التواصل بين مختلف أطياف المجتمع السعودي، حيث أن المشاركين في برامجه يفدون من مختلف المناطق وهم ذوي اتجاهات فكرية ومذهبية مختلفة. كما أن مناسبات التكريم الموسمية التي أقامها المنتدى في احتفاله السنوي شملت شخصيات فكرية معروفة على الصعيد الوطني ومن مختلف المناطق والخلفيات.

إنني بهذه المناسبة لأردد قول الدكتور عبد الجبار الرفاعي الباحث في الفكر الديني: ”شكًرا لجهودكم المهمة في منتداكم الثقافي الحر، الذي تظهر آثاره في تحطيم سجون العقول“.

ومن المؤكد أنه بعد هذه المرحلة التي طواها المنتدى، أن أمامه تحديات مستجدة، وتطلعات مشروعة ينبغي على القائمين عليه التفكير في وسائل عمل إبداعية تحافظ على المكتسبات التي حققها، وتفتح المجال نحو آفاق جديدة وواسعة من المساهمة في التغيير الإيجابي على الساحة الثقافية وطنيا.

ولا يسعني في هذه المناسبة الجميلة إلا أن أقدم خالص شكري وتقديري للأستاذ جعفر الشايب، هذا الرجل الخلوق والمثقف المبدع والإداري الناجح، على دعوته لي بالمشاركة في هذه المناسبة العزيزة، وهي مناسبة مرور عشرين عاما على إنشاء هذا الصرح الشامخ.

تمنياتي في الختام للقائمين على هذا المنتدى الفريد استمرارية العطاء ودوام التقدم والنجاح فهو نسيج وحده ونموذج يقتدى به.

كاتب ومؤرخ، عضو سابق في الغرفة التجارية والصناعية بمحافظة المجمعة