آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

المبتعثون والتأثر بالثقافة الغربية

محمد يوسف آل مال الله *

مما لا شك فيه أنّ لبرنامج الابتعاث للدراسة الأكاديمية بجميع مراحلها تأثيرًا كبيرًا ساعد مئات الآلاف من الشباب في الحصول على الشهادات الدراسية بيسر وسهولة، غير أنّ البعض تأثر بالثقافة الغربية بشكل سلبي وذلك لعدم وجود حصانة ذاتية تقيهم شر هذا الداء الذي يفتك بالفكر والسلوك.

لست ضد الثقافة الغربية بشكل عام، ففيها العديد من الأفكار التنويرية والعلمية والثقافية التي قد لا تتوفر في مجتمعاتنا العربية، ولكن على المبتعث أن يميز بين الغث والسمين وبين الطالح والصالح وبين المفيد والمضر. قد تلتبس بعض المفاهيم عند البعض منهم وخصوصًا المفاهيم الاجتماعية كالحرية والمساواة وكذلك بعض التشريعات الدينية غير الإسلامية فيرون أنّها الطرق الصحيحة التي لابد أن يتخذوها منهاجًا لهم في حياتهم وذلك لأنّهم لا يملكون ثقافة دينية واجتماعية وعلمية سابقة بحيث يستطيعون التمييز بين الثقافات المتعددة، مما يضعهم أمام خيار واحد وهو قبول تلك الثقافة المبنية على الماديات في معظم الأحيان وبعيدًا عن الحصانة الدينية والثقافة الإسلامية.

انزلاق البعض في الملذات الدنيوية والعادات والتقاليد الغربية التي هي بعيدة كل البعد عن عاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا العربية والإسلامية يعود لعدم وجود قناعة داخلية ووازع ديني قوي لديهم، ما يجعلهم طُعْمًا سهلًا في الوقوع فيها، كما أنّ المغريات متوفرة بدون قيود، ما يسهل عليهم الانغماس فيها دون حسابات وكأن الحياة لهو ولعب.

مهما اختلفت الثقافات حول العالم نجد أن هناك رابطًا مشتركًا بينها وهو الإيمان بتلك الثقافة التي تحصّلوا عليها، ما يدعو الشاب إلى أن يؤمن بثقافته إيمانًا راسخًا بعيدًا عن المقارنة التي قد يقع فيها اللبس غير المحمود. نحن لا نمانع من دراسة الثقافات المختلفة ومقارنة بعضها ببعض في جميع جوانبها وأخذ الصالح والمفيد، لا أن تكون المقارنة في جانب واحد إرضاءً للنفس والهوى. يجب أن تكون المقارنة مبنيّة على الأسس الخاصة والعامة التي يتضح من خلالها ملاءمتها من عدمه والأخذ منها بما يصلح للشاب إيجابيًّا ويخدم سلوكه العام المحمود.

من وجهة نظري، فإن على الشاب وقبل أن يفكّر في الدراسة في الخارج أن يحصّن نفسه بالثقافة والعلم والدين وأن يطّلع ويقرأ ثقافات وعادات الغرب وأن يمتلك القواعد الأساسية لبناء الإنسان القويم، كما أنّ على أولياء الأمور تحصين أبنائهم بقدر كبير من الوصايا التي تحفظهم من الانزلاق في براثن الشيطان. يقول سبحانه وتعالى: ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ البقرة - آية «133»، كما أنّ عليهم مسؤولية عظيمة تجاه أبنائهم. لذا حري بهم النصيحة والتوجيه. يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ لقمان - آية «13» وفي آية أخرى يقول سبحانه وتعالى على لسان لقمان الحكيم في وصيّته لابنه: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ لقمان - آية «18».

الأمر الآخر هو أنّ على أولياء الأمور متابعة أبنائهم بشكل مستمر والتواصل معهم والتحدّث إليهم ومعرفة أحوالهم وتقصيّ أخبارهم ومساندتهم والنصح لهم ومساعدتهم على تسهيل أمورهم حتى لا يكونوا بحاجة إلى طلب هذه الأمور من طرق أخرى قد تفسد أخلاقهم وتتلف سلوكهم.

متى ما توّفر لدى الشاب الحصن الحصين فإنّ الثقافة الغربية السلبيّة لن تصل إليه ولن تستطيع أن تؤثر على سلوكه وتصرّفاته. الشاب الواعي الرزين ذو الثقافة الدينية المعتدلة، فضلًا عن المتشددة، لا ولن تغلبه الأهواء وتكسره المغريات.