آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 3:29 م

إلى السيد علي حيدر

سالم الأصيل

الخطوب الجليلة أكبر من الكلمات، لأجل ذلك هذه الأخيرة تتوارى وتكاد تعدم الآن، تحت وطأة الذهول وعدم التصديق تارة، والشعور بالعجز وعدم الجدوى تارة أخرى. وهي إن حضرت وما لبثت تتحرك في الخاطر المكلوم، مُلحّة على صاحبها، عزّ على صاحبها أن يكتبها رثاءً للأحباب.

سيد علي حيدر. يعزّ عليّ أن تكون وجهة رسالتي عنك إلى غيرك، يعزّ عليّ أن أحدث أحبابك عنك راثيًا ومعزيًا. لذلك سأكتفي بالحديث إليك أنت في هذه الرسالة. ولأني أعرف كم - كُنتَ؟ آخٍ من كُنتَ وكُنّا، لا بل حتى الآن - تحب المكاتبة والرسائل.

يذهل المرء حيال بعض الأخبار والحوادث، وهذا لَعَمْرُكَ - هذا القصير المثمر المبارك - منها يا سيد علي، حتى لو أن أحدًا أراد مثالاً شاهدًا على «البركة في القليل» لأشار لعُمُرِك.

من سيكتب بعد رسائل التعازي التي كنت تُصدِّرُها ”ببالغ الأسى وشديد الحزن“ في تعزية كل فاقد من قلب نادي المحيط إلى أهله وناسه؟ وصلتني قبل قليل، من «جوال نادي المحيط نفسه» تعزية جديدة، لكن المَنْعى كان خبرك، واسمك - وا أسفي - هو المَنعيّ. ها هم أبناء قريتك الذين أحببتهم فأحبّوك بل وكل معارفك يتناعونك.

صحيح أننا ابتعدنا، وتناءت بنا الدروب، لكنك كنت تخطرنا، كل يوم تقريبًا، بجديد ما يجري. صحيح أن الأيام تباعد وتفرق، لكن ثمة شيئًا خافٍ وظاهر في الآن نفسه، ولا أظنه إلا الأخوّة، يبقى نابضًا في الدم متحركًا في الشعور، متوزعًا بين حنينٍ مُلحٍّ وذكرى طيبة ومجلسٍ جامع. أُخوّة اليد «الكاتبة والنادبة في الذكرى البعيدة»، وأُخوّة القَدَم في الخطى المتقاربة، بين القصد الواحد والغاية المشتركة، بين مشي الزاحف يشبه المشية العسكرية بلطمة نادبة مرّة، والركض ساعة في مساحة مباحة متريّضة مرّة أخرى.

أتذكر الآن زيارة قديمة لك في النادي، لكنك رغم المكان كنت تحدثني عن الكتابة والشعر والأدب، وتلح أن بوسعه - على سبيل القدرة، متسلحًا بالبيئة - كتابة الشعر، فيرد عليك جادًّا وهازلاً في آن: ”وإن كنت أتلو من قبله من كتاب، غير أني لا أخطه بيميني، ولا ينبغي لي ذلك، والله - على كل حال - هو الوهاب! ثم إني لا أحب للمبطلين الارتياب!“ فتضحك ضحكتك تلك العامرة للفؤاد!

لعل شعور الذهول الذي تملّكني - كما غيري الكثير - هو أثر الصدمة التي كانت، وما زالت، هو عدم التوقع، ترقب الضد، إذ منذ أيام ونحن في انتظار: أصبح بخير، وغادر المشفى! لكنه أمر الله الجاري، عليك وعلينا جميعًا. هذا الأمر الذي تقدم أو تأخر آتٍ لا محالة. والأمر والمرجع لله، ولا حول ولا قوة إلا به.

أتركك الآن في جنتك، إن شاء الله، وربما عدت للكتابة إليك.