آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

قلبي يعتصر ألمًا لفقدك

محمد يوسف آل مال الله *

في تأبين المرحوم الحاج جعفر عبدالنبي بوحميد رحمه الله

قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ «155» الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ «156» أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ «157»، صدق الله العلي العظيم

البحرين وما أدراك ما البحرين، اسم يتردد على مسامعي منذ الصغر وذلك لما تربطنا من علاقات عائلية وأخوية وصداقة كبيرة مع بعض أهلها، فمنذ أكثر من خمسين عامًا وأنا أسمع وأرى العديد من أهلنا وأخوتنا وأخواتنا وأصدقائنا يترددون على بيتنا وبالخصوص أولئك الذين يمضون العديد من الأيام في بيتنا خلال زياراتهم لنا، أمثال المرحوم الحاج جاسم القيدوم والمرحوم الحاج عيسى بن ابراهيم وأخيه المرحوم الحاج علي بن إبراهيم والمرحوم الحاج يوسف درويش والمرحوم الحاج عبدالله خضير والمرحوم الحاج أحمد إبراهيم والمرحوم الملا محمد علي «أبو عباس» والمرحوم الحاج عبدالنبي بوحميد والسيد حبيب السادة والحاج أحمد صالح وكذلك سماحة الشيخ حسن المالكي وسماحة الشيخ محمد الماضي حفظهم الله جميعاً والعديد من الأخوة البحرينيين.

لقد أسس الصداقة مع المرحوم الحاج عبدالنبي بوحميد زوج أختي المرحوم الحاج سعود سلمان آل قنبر وذلك في الستينيات من القرن الماضي حيث التقيا في العراق خلال زيارتهما للعتبات المقدّسة وعند عودتهما قاما بتبادل الزيارات على نطاق واسع ومنذ ذلك الحين ظلت العائلتان تتبادلان الزيارات دون انقطاع حتى يومنا هذا.

أكثر ما لفت نظري في علاقتنا بأصدقائنا البحرينيين هو مكوثهم لعدة أيّام في ضيافة الوالد المرحوم الحاج يوسف علي آل مال الله وبالخصوص المرحوم الحاج عبدالنبي بوحميد «أبو جعفر» الذي كان كثيرًا ما تكون زياراته لنا مصطحبًا معه زوجته المرحومة أم جعفروابنائها وبناتها، ما خلق علاقة وطيدة بينها وبين معظم النساء والفتيات من أهالي مدينة عنك، لدرجة أنّه وعند وفاتها رحمة الله عليها توجه العديد منهن للبحرين لتقديم واجب العزاء لأهلها وذويها.

لقد اتسعت وكبرت علاقة المرحوم الحاج أبي جعفر بالعديد من الشخصيات في عنك وقلّما تجد شخصًا لا يعرف مَنْ هو عبدالنبي بوحميد «أبا جعفر» وذلك لدماثة خلقه وجميل منطقه وثقافته العالية وحبه للجميع. لقد امتدت هذه الصداقة وانغرست فينا نحن الأبناء حتى صرنا نتبادل الزيارات ونقضي الكثير من الأيام بين المالكية وعنك لأننا نشعر بأننا نعيش بين أهلنا ومحبينا دون تكلّف أو حرج.

كانت أول زيارة للحاج المرحوم جعفر عبدالنبي بوحميد «أبي محمد» إلى عنك في العام 1396 هـ وكان بصحبة عمّه السيد عباس السيد علي وأنا للتو قد أكملت السنة السادسة الابتدائية. في ذلك العام الذي اطلق عليه المرحوم أبو محمد بعام ”الشؤم“ إذ ما أن استيقظا من النوم حتى سمعا خبرًا جللًا، فقد كنت مع والدي ووالدتي وأختي أم ابراهيم رحمهم الله جميعًا وابنة اختي في الحجاز لأداء مناسك العمرة وعند عودتنا وفي الطريق وعلى بُعْدِ مائة وسبعين كيلومتر تقريبًا من مدينة عنك وبالتحديد قرب مدينة بقيق تعرّضنا لحادث مروري أودى بحياة أكثرمن خمسة وعشرين شخصًا، منهم والدتي وأختي أم إبراهيم عليهم جميعًا رحمة الله.

كبرنا وكبرت علاقتنا مع بعضنا البعض وكثيرًا ما كان المرحوم الحاج جعفر يستذكر تلك اللحظات التي دخلت فيها عليهما البيت وملابسي ملطخة بالدماء وقد رأيت الحزن والدموع تنهمر على مقلتيهما. بقيا ينظران لي في دهشة وحيرة. لحظات تشعر فيها وكأنك تشاهد فيلمًا من أفلام القتال والحروب.

مضت الأيام والسنون والعلاقة تكبر شيئًا فشيئا حتى العام 2006م حيث بدأت أقدّم دوراتٍ تدريبية في الموارد البشرية من خلال مركز فلكس ترين للتدريب في مملكة البحرين وفي العام 2008م بدأت عملية الشراكة مع المركز، ما جعلني اتردد على البحرين كل يوم خميس من كل أسبوع وبعد الانتهاء من عملي في المركز اتوجه مباشرة إلى المالكية لرؤية أخي المرحوم أبي محمد وتناول وجبة العشاء معه في كثير من الزيارات واستمرت دون توقف حتى بعد أن تم تغيير عطلتنا الأسبوعية لتصبح يومي الجمعة والسبت فصرت أذهب إلى البحرين أيام السبت من كل أسبوع.

هذه الزيارات الأسبوعية المتكررة خلقت بيني وبين المرحوم أبي محمد علاقة خاصة، ذات طابع خاص، أكبر مما تتصورون، فقد أصبحت أرى نفسي أحد أفراد عائلته، كما هم يروني كذلك، ما جعل أبنائه وبناته ينادوني ”بالعم أبو يوسف“ وأصبح معلومًا لدى الجميع أنّ وجبة الغداء ليوم السبت أكون مشاركًا فيها معهم، بل يسبقني المرحوم أبو محمد في الاتصال عندما أتأخر على موعد تناول وجبة الغداء ما يجعلهم يرفعون وجبتي إذا ما كان التأخير كثيرا.

لقد كان المرحوم أبو محمد الأخ الذي لم تلده أمّي فقد كان الحاضنة والمعين لي في الكثير من الأمور التي احتاجها في البحرين وكان دائمًا يسعى لتوسيع دائرة الصداقة بيني وبين أصدقائه ومعارفه وخصوصًا حينما يصادف وجود مناسبة اجتماعية أو دينية حيث يحرص على ذهابنا إلى المأتم وحضور مجلس العزاء الحسيني.

خبر لم يكن على البال:

رنّ هاتفي وكانت المكالمة على الوتس اب ما ينبّهني إلى أن افتح جهاز الهاتف لأجدها مكالمة من البحرين من صديق عزيز. قرأت رسالته وبقيت متحيّرًا مصدومًا بما كانت تحتويه من خبر فظيع، فأخذت أبحث عن الخبر في مجموعة العائلة وما أن وقعت عيناي على صورة المرحوم أبي محمد وقد كُتب عليها ”إنّا لله وإنّا إليه راجعون“ حتى أخذت الدموع تنهمر من عينيّ دون شعور.

بماذا أصفه؟

مهما حاولت أن أكتب عن صفاته الشخصية فلن أفي بحقه، فيكفي أن أقول عنه ”أخ“ بما تحمل الكلمة من معنى. لقد جسّد معاني الأخوة من جذورها. بل كان يفخر بي أمام أصدقائه ومحبيه ويرون في عينيه الحب الصادق تجاهي كما يلمسون منه الحب والأدب والخلق الرفيع والإخلاص والوفاء والتعاون والعطاء والسخاء والكرم. هكذا كان رحمة الله عليه.

لقد رحل أبو محمد، رحمة الله عليه، إلى البارئ عزّ وجلّ ولكنّه سيبقى في قلبي وفي قلوب محبيه وفي قلب كل مَنْ عرفه. لقد خسرت المالكية وعنك رجلًا قلّ نظيره، رجلًا كان يقدّم الغالي والنفيس ولا يبخل على أحد في العطاء مهما كانت تحيك به الظروف. عشت معه سنوات ولم أسمع منه كلمة نابية أو فيها لوم أو تذّمر من أحد أو حتى تدّمر، بل كان دائمًا يخلق الأعذار لأصحابه ومحبيه ويسأل الله لهم العفو والرحمة والمغفرة ويدعو لهم بالسعادة والراحة.

لقد كان من الموالين لأهل بيت الرحمة ومن المخلصين لأصدقائه ومحبيه ومن البّارين بوالديه عليهم رحمة الله جميعًا، فبعد وفاة والده المرحوم الحاج عبدالنبي عمد إلى أن يبقى مجلس بيت والده مفتوحًا كما كان على حياة والده وأوصى إخوته أن يتعهدوا ذلك المجلس كما أوصى أخواته أن يلتقين في ذلك البيت بشكل أسبوعي حتى يظلّ ذلك البيت عامرًا.

إنّني اتطلّع وأنا على يقين بأنّ مسيرته ستظل باقية خالدة يحملها أبناؤه وعلى رأسهم محمد «أبو علي» الذي لا ولن يألو جهدًا في أن يقفو أثر والده ويحفظ مسيرته ويحافظ على بقاء تلك الصداقة والأخوة والمحبة التي ستستمر بإذن الله تعالى ونورّثها لأبنائنا وبناتنا كما ورّثها لنا آباؤنا رحمهم الله جميعًا.

في الختام أسأل الله له ولأسلافه وللمؤمنين والمؤمنات المغفرة والرحمة وأن يتغمّده بواسع رحمته وأن يحشره مع النبي محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأن يلهمنا وإيّاكم وذويه ومحبيه الصبر والسلوان وإنّا لله وإنّا إليه، راجعون ورحم الله مَن يقرأ له ولأسلافه وللمؤمنين والمؤمنات سورة الفاتحة.