آخر تحديث: 30 / 4 / 2024م - 11:10 م

صحيفة إخبارية تخلد موتى القطيف

مريم آل عبد العال *

يُمثل رحيل أي شخص عن الحياة لحظة فارقة في حياة عائلته وأصدقاءه ومعارفه. ومع تناول وسائل التواصل الاجتماعي أخبار الوفيات، بات خبر رحيل أي شخص محط اهتمام على نطاق أوسع من القراء والمتابعين والمهتمين بما يتجاوز بكثير الدوائر القريبة آنفة الذكر. من هنا، لفت انتباه القراء والمتابعين ما ابتكرته صحيفة ”جهينة الإخبارية“ الإلكترونية في محافظة القطيف السعودية، التي لم تكتفِ بنقل أخبار الوفيات بطريقة تقليدية، وإنا اختارت طريقة غير مسبوقة، قوامها إدراج نبذة تعريفية قصيرة عن الشخص المتوفي - لا فرق في ذلك بين كبير في السن أو شاب، ذكرا كان أو أنثى - تبرز من خلالها وظيفته وأنشطته الاجتماعية، بالإضافة إلى ذكر أفراد عائلته الذين يتبوأون وظائف مرموقة سيّما في مجالات التعليم والطب والخدمات الاجتماعية التطوعية.

هذا الأمر كان له الوقع الكبير في اجتذاب الأهالي لمتابعة أخبار الوفيات في الصحيفة التي اختارت تخليد موتى المنطقة بطريقتها المميزة، وبخاصة ذوي الميت ومعارفه من منطقة القطيف وخارجها، ومردّ ذلك إلى ثلاثة أمور، تستحق الالتفات إليها.

أولها؛ تطوير النموذج المتعارف عليه اجتماعيا في تخليد ذكر الموتى. فاستخدمت ”جهينة“ طريقتها الرمزية تلك في وقت لم يعد إكرام الميت بالدفن وحده اليوم كافياً، فلطالما اتجهت المجتمعات حول العالم لتسمية الأوقاف الخيرية والاجتماعية والأعمال الإنسانية أو الصدقات الجارية بأسماء الموتى، وهو ما كان بمثابة إحياء للذكر. إن انقطاع ذكر الميت هو أفظع أمر يمكن لأحد تخيله لنفسه بعد موته، فمعظم الأفراد يسعون لبذل الجهود من أجل ترك الأثر والبصمة الباقية مادياً ومعنوياً في قلب المجتمع والمحيط. وما أكثر العلماء والفنانين الذين تم تكريمهم بعد مماتهم ولولا التكريم ما عُرفوا إلى هذا اليوم!. لذا توثيق منجزات الميت في نعيه أمر لا يمكن إنكار أهميته.

ثانياً؛ توصيف أفراد أسرة الميت وظيفيا حقق تعريفا واضحا به للمعزين. لابد وأن يقع البعض في الالتباس مع تشابه اسم الميت مع أحد أقاربه مما يوقع الشبهة والحرج لمن يريد تقديم التعزية، أو في حال قلة وسائل التواصل التي قد لا تمكن البعض من التأكد ما إذا كان الميت هو عينه أم أحد أقاربه، حيث نفضت ”جهينة“ غبار الشبهة من خلال النبذة المقتضبة التي تضعها بتوصيف أفراد الأسرة من حيث صلة القرابة والمسمى الوظيفي. الأمر الذي قد يزعج البعض ولكنه مكمل أساسي للنعي في الإعلام الحديث.

ثالثاً؛ توفير شجرة عائلة متاحة للتتبع. إن بقاء معلومات الميت إلكترونياً، كفيل بصنع محتوى مؤرشف للموتى بأقاربهم وأبنائهم، في تنظيم سلس يمكن الرجوع إليه في أي وقت ومكان، إضافة إلى إمكانية تداوله، واستخدامه كمصدر موثوق، فالصحيفة تنقل المعلومة من ذوي الميت أنفسهم، ما يحقق المصداقية. علاوة على قلة العوائل التي تسعى لبحث شجرة العائلة، فصار النعي عبارة عن أغصان مقطوعة يمتد أثرها، ويمكن ربطها بكل سهولة، خاصة وأن الأسماء تكتب كاملة لثالث جد. وبذلك فالمحتوى الإلكتروني سهل على المتابع تلقي المعلومة الموثقة تاريخياً.

موتى القطيف لا يختلفون عن غيرهم، ولكن هذه الطريقة التي ابتكرتها صحيفة ”جهينة الإخبارية“ تكفلت بصنع الكثير من التقدير لهم، فما أكثر الموتى المنجزين الذين لا نعرف إنجازاتهم ولا عطاءاتهم، وما أكثر المعمّرين الذين ما عرفنا فضلهم إلا في نعيهم المأثور.

كاتبة صحفية - إعلامية وناشطة في مجموعة قطيف الغد